السياسي -متابعات
شهوة السوريين للحوار باتت تتجلى في منتديات كثيرة، لكن بحمص التجليات تختلف خاصة إذا كانت مع ابنها الباحث والمفكر د. برهان غليون الذي استضافه منتدى حمص للحوار السوري بالتعاون بين ملتقى سوريا الجديدة، وملتقى هارموني الثقافي، اختص اللقاء بالحوار حول مستقبل سوريا والمرحلة الانتقالية.
استهل اللقاء الكاتب خالد صالح مرحّباً بالباحث غليون بمدينته التي تقدّره، وأضاء عليه بموجز يليق به، أشار فيه إلى أنه أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون بباريس، وإلى توليه رئاسة المجلس الوطني السوري السابق لأقل من سنة، إذ استقال من المنصب، وللباحث غليون إنجازات فكرية عدة تجلت في أكثر من 15 كتاباً، منها : المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات، ثقافة العولمة وعولمة الثقافة، العرب وما بعد 11 سبتمبر (أيلول)، بيان من أجل الديمقراطية، اغتيال العقل، مجتمع النخبة.
حوار وتحديات
نبّه الباحث د. غليون إلى أن ما يهمه في هذه اللقاءات التي يعقدها في أكثر من مدينة سورية، هو الاستماع إلى وجهات نظر الناس في أوضاع سوريا أكثر من تقديم أفكاره، يهمه أن يسمع الناس كيف يطرحون مشاكلهم وتالياً إن كان لديه القدرة على بلورة طرحها يساعدهم ويتبادل معهم الأفكار لحل المشاكل، فهو لم يأت هادياً بل باحثاً عن مخارج لمشاكل الناس والبلد.
وقبل إطلاق الحوار حدد المسائل أو التحديات التي يمكن أن يتم تبادل الحوار معاً حولها. فأشار إلى أن المسألة الأولى الجديرة باهتمام الجميع هي المرحلة الانتقالية، وما هي مهامها، ومهام السلطة التي حددتها بخمس سنوات، ثانياً إلى أين نتجه وإلى أين سنصل بعد هذه المرحلة الانتقالية؟ هل سنصل إلى نظام ديمقراطي قائم على حكم القانون، بصرف النظر عن الجنس والدين؟
ثم مضى د. غليون مؤكداً الانتقال السياسي في سوريا لا يقتصر على تغيير سلطة، بل المطلوب إعادة بناء المجتمع والدولة على أسس جديدة تختلف عن ما رسخه النظام السابق.
ولذلك لم ينس د. غليون الإشارة إلى التحديات التي تعوّق تحقيق الديمقراطية التي لا تهبها الدولة، بل هي نتيجة تراكم جهود ولذلك حث على المضي في تحقيق انتخابات نزيهة في النقابات وصولاً لانتخابات البلديات وحتى انتخاب محافظين، سعياً لتحقيق اللامركزية الإدارية، فهي ضرورة لتحقيق التوازن بين المركز والأطراف من دون أن يعني هذا المساس بوحدة الدولة.
زرع الثقة مجدداً
لكن هذا يتطلب منا وعياً سياسياً بأهمية ذلك وأن ننشط في مجال الهيئات المدنية التي وفّرت مثل هذا اللقاء وتؤمن تحقيق غيره لنشر الوعي سواء بالسلم الأهلي أو بضرورة التفاهم والتخلي تدريجياً عن مظلومياتنا التي ما فتئنا نتحدث عنها، لتحقيق رغباتنا في الحياة. وأن من بين وظائف تلك الهيئات أيضاً إعادة زرع الثقة بين مكونات المجتمع بكل أطيافه لتعود اللحمة للعقد الاجتماعي فيما بينها.
كما أشار د. غليون إلى ضرورة توافر الكوادر فهجرة بعضها عنوة أو بإرادتها يجعل من الصعب تعويضها للقيام بمهامها، فالكوادر التكنوقراطية القديرة هي من يجب أن تتولى الإدارات لا الأشخاص الذين يتقنون الولاء على طريقة السلطة البائدة. فالدولة هي مؤسسة قطاع عام وليست أداة بيد سلطة قائمة أو معارضة لها، وأن يكون التوجه القادم عقداً اجتماعياً بين مكونات المجتمع بكل أطيافه على أسس الحق والعدالة والكرامة، وبذلك يتبدد الخوف لدى شرائح المجتمع من المستقبل ولا تعود الرؤية الغامضة للمرحلة الانتقالية حاضرة.
أما عن دور المرأة في كل ذلك فأشار إلى ضرورة وجودها الفعلي هي وشريحة الشباب في المرحلة الجامعية، فهما عصب الحياة المتجدد.
وخلال الأسئلة التي طرحت عليه أجاب عن إمكانية تجنب أي تجربة تخص بلداً آخر استندت على محاصصة طائفية أو عرقية، بأن ندفع نحو إقامة علاقة بين الدولة والمواطن على أساس الحقوق والمواطنة لا على أساس الدين أو الطائفة، وأن نصر جميعاً على وحدة الأراضي السورية ونطالب الدولة بعدم الموافقة على مطالب أي مكون اجتماعي امتلك بعض السلاح على استثمار البقعة الجغرافية التي يعيش فيها لصالح مكونه فقط، ففي ذلك إضعاف لقوة المكوّن وللدولة في آن واحد. ولذلك شدد د. غليون على ضرورة الفصل بين الدولة والسلطة السياسية أمر ضروري، فالدولة مؤسسة عامة محايدة يجب أن تدار بكفاءات وليس بميليشيات سياسية أو ولاءات شخصية.
وطرحت أسئلة كثيرة بعضها ليس من صلب المحاور التي حددها د. غليون، إذ يعود جزء منها للتاريخ السياسي لسوريا، وبعضها الآخر يصب في مستقبل العلاقات الدولية والمحور المحتمل الذي قد تتحالف معه سوريا، ورغم ذلك أجاب عليها باقتضاب، خاصة فيما يتعلق بمستقبل سوريا التي عادت للحضن العربي وهذا ما يمنحها استقراراً، وقد عوّل الباحث د. غليون تفاؤله في تحقيق ما نريد على همة الشباب الذين يتعمق لديهم وعيهم بالقيم الديمقراطية ورفضهم للاستبداد أو لتجدده، وأن معظم الناس تراقب ما يحصل وتستنكر ما هو غير صحيح وتنتقده، طامحاً أن يتعمق ذلك على يد أحزاب جديدة تسعى لبناء ذهنية سياسية وثقافية واجتماعية جديدة، ما إن تتوافر الظروف لتأسيسها والسماح بترخيصها.