نتنياهو يلعب بورقة ترشيح ترامب لجائزة نوبل لإطالة أمد الحرب

السياسي – لو لم يكن الخبر حقيقياً، لظن كثيرون أنه مادة هزلية من صحيفة «ذا أونيون» الساخرة: بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب في غزة أمام المحكمة الجنائية الدولية، يرشّح دونالد ترامب، أكبر داعميه السياسيين ومورّدي السلاح له، لجائزة نوبل للسلام.

بحسب صحيفة الغارديان البريطانية فقد يبدو الأمر مثيراً للسخرية، بل «أشبه بترشيح تاجر مخدرات لجائزة نوبل في الطب»، على حدّ وصف الكاتب محمد بزي، لكن خلف هذه الحيلة الدعائية تكمن حسابات سياسية دقيقة.

ففي هذا الترشيح، يوظف نتنياهو شغف ترامب الدائم بالإطراء والاعتراف الدولي كي يحقق غايتين: إطالة أمد حرب دولة الاحتلال الإسرائيلي الوحشية على غزة، والحفاظ على نفوذ سياسي داخلي وخارجي بات مهدداً.

-تكتيك مكشوف: استغلال نقاط ضعف ترامب

ينتهج نتنياهو سياسة المماطلة في مفاوضات التهدئة في غزة، لإبقاء نفسه في الحكم وتجنب أي انتخابات مبكرة قد تُسقط حزب الليكود من السلطة. لكنه أيضاً يريد، والأهم، أن يتهرب من محاكمته بتهم فساد ورشى تعود إلى ولاياته السابقة.

هنا يدرك نتنياهو نقطة ضعف ترامب: حاجة الرئيس الأمريكي المستمرة للإعجاب والتصفيق. فترامب يرى نفسه دائماً جديراً بجائزة نوبل للسلام، خاصة بعد اتفاقيات إبراهام عام 2020، التي رعتها إدارته بين دولة الاحتلال وعدة دول عربية.

ورغم الضجيج الإعلامي، لم تشمل تلك الاتفاقيات الفلسطينيين، بل تجاوزت قضيتهم لصالح تطبيع علاقات عربية إسرائيلية علنية.

في اللقاء الأخير بالبيت الأبيض، كان ترامب يتهيأ لإعلان اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. لكن مبادرة نتنياهو بترشيح ترامب لجائزة نوبل بددت اندفاعه نحو الضغط على (إسرائيل)، وأعادته إلى مربّع الانبهار الذاتي.

قال نتنياهو وهو يقدم خطاب الترشيح لترامب: «أود أن أعرب عن تقدير وإعجاب ليس فقط من جميع الإسرائيليين، بل من الشعب اليهودي أيضًا. أنت تستحقها».

ترامب، بطبيعة الحال، بدا مبهوراً. وردّ قائلاً: «لم أكن أعرف هذا. يا إلهي. شكراً جزيلاً لك. ومنك تحديداً، هذا الكلام ذو مغزى كبير».

-حرب غزة… وورقة نوبل

الترشيح ليس مجرد مجاملة بين حليفين. نتنياهو يريد من ترامب أن يواصل دعمه العسكري والسياسي غير المشروط لإسرائيل.

ففي حرب الإبادة على غزة، أسقط الجيش الإسرائيلي مئات القنابل الأمريكية الثقيلة، من طراز BLU-117، على القطاع.

وهي قنابل يبلغ وزنها نحو 900 كيلوغرام، تستخدم لتدمير البنى التحتية، لكنها تُسقط أيضاً على مناطق سكنية، ما أدى إلى قتل وتشويه آلاف المدنيين، في قصف يُوصف بأنه الأعنف منذ حرب فيتنام.

حتى الآن، لم يُبدِ ترامب أي استعداد لاستخدام نفوذ أمريكا لوقف آلة الحرب الإسرائيلية، تماماً كما فعل سلفه جو بايدن، الذي أبقى الدعم العسكري مفتوحاً لإسرائيل رغم الانتقادات الحقوقية الدولية.

-سراب اتفاقيات إبراهام

يراهن نتنياهو أيضاً على استغلال «إرث ترامب الدبلوماسي». فرغم توقيع اتفاقيات إبراهام مع الإمارات والبحرين والمغرب، فشلت إدارة ترامب آنذاك في إقناع السعودية بالدخول في اتفاق تطبيع. فقد ظل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يربط توقيع اتفاق مع إسرائيل بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة.

وهو أمر كان نتنياهو يرفضه علناً، قائلاً: «يعلم الجميع أنني الشخص الذي منعت لعقود من الزمن إنشاء دولة فلسطينية تعرض وجودنا للخطر».

وبالتالي، لا يزال حلم ترامب بالحصول على جائزة نوبل من بوابة سلام عربي إسرائيلي بعيد المنال، ما لم تُنه دولة الاحتلال حربها الدامية في غزة، أو تُقدّم تنازلات جدية في الملف الفلسطيني.

-بينما يُقتل الفلسطينيون… مجد جديد لترامب

التحليل الأهم هنا أن نتنياهو لا يهمه فقط إرضاء ترامب، بل أيضاً إغراق الرئيس السابق في أوهام المجد الشخصي، كي لا يتحول الأخير إلى طرف ضاغط على الحكومة الإسرائيلية.

ترامب يحب أن يبدو رجل الصفقات الناجحة، الزعيم القوي الذي يجلب السلام بالقوة. وهي صورة يعززها نتنياهو أمامه عبر استعراض القوة العسكرية الإسرائيلية، ليس فقط في غزة، بل ضد إيران وحلفائها في لبنان واليمن.

بعد عشرة أيام من إصدار ترامب أوامر بقصف منشآت نووية إيرانية في يونيو الماضي، أرسل نتنياهو ترشيحه لجائزة نوبل، مؤكداً أن ترامب «أظهر تفانيًا استثنائيًا في تعزيز السلام والأمن والاستقرار في جميع أنحاء العالم».

لكن الحقيقة المرة أن الحرب الإسرائيلية على غزة مستمرة، بلا أفق سياسي أو إنساني. بينما يروّج نتنياهو لنوبل السلام لترامب، يواصل الجيش الإسرائيلي تنفيذ خطط تهجير واسعة للفلسطينيين، إذ تحدث وزير الجيش الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، مؤخراً عن خطة لتجميع الفلسطينيين في مخيمات اعتقال على أنقاض مدينة رفح المدمرة.

في النهاية، يبدو ترشيح نتنياهو لترامب لجائزة نوبل للسلام حيلة دعائية متقنة: إطالة أمد الحرب في غزة، استمرار تدفق السلاح والدعم السياسي من واشنطن، والنجاة من الضغوط الداخلية والدولية.

لكن ترامب، إذا أراد فعلاً جائزة نوبل، عليه أولاً أن يواجه الحقيقة المروعة: السلام لا يُصنع بمدافع ثقيلة ولا بقنابل تزن طناً. السلام يبدأ بإنقاذ المدنيين في غزة. وحتى الآن، لا ترامب ولا نتنياهو مستعدان لذلك.