السياسي – تكافح ألمانيا لإعادة هيكلة الجيش، بعد عقود من الإهمال، بسبب تحديات التقدّم في السنّ وخروج متزايد من القوى العاملة، ما أدى إلى نقص في الكوادر الماهرة، وضع المسؤولين الساعين إلى تعزيز صفوف الجيش في مأزق.
وبحسب وكالة “بلومبيرغ”، فإنه بينما تبحث ألمانيا عن مجندين في ظلّ تناقص أعداد القوى العاملة، تواجه صعوبة في حشد عدد كافٍ من المجندين لجيشها بسبب ضغوط سوق العمل وشيخوخة المجتمع.
وقال وزير الدفاع، بوريس بيستوريوس، إن على الجيش تعزيز قواته النظامية إلى ما يصل إلى 260 ألف جندي، وإضافة مئات الآلاف إلى الاحتياطي، مع اتخاذ خطوات لإعادة العمل بنظام التجنيد الإجباري.
ويشير محللون وخبراء إلى أن تحسين الأجور، وجعل الجيش مكانًا أكثر جاذبية للعمل، واعتبار الهجرة وسيلةً لتعويض التحولات الديموغرافية، يمكن أن يساعد في جذب المزيد من المجندين.
وقالت “بلومبيرغ” إن ألمانيا، التي تتمتع بسيولة مالية كبيرة لإعادة تسليح نفسها في مواجهة التهديد، تُكافح جاهدةً لحشد عدد كافٍ من المجندين في سوق عمل يعاني أصلًا من ضغط شديد.
وفي حين تواجه دول أوروبية أخرى نقصًا في الكوادر أيضًا، فإن حجم المهمة في ألمانيا يبدو أوضح؛ إذ تسعى حكومة المستشار فريدريش ميرتس الجديدة بشكل منفصل إلى إصلاح البنية التحتية الألمانية، ما يُضعف أيضًا القوى العاملة، حيث تُتخذ خطوات لإعادة العمل بالتجنيد الإجباري.
وقال ميرتس للشركات الألمانية، الشهر الماضي، إن التحديات المتعلقة بالموظفين، وليس التمويل، ستكون “المشكلة الحاسمة” التي يتعين التغلب عليها، بينما يسعى جاهدًا لبناء أقوى جيش تقليدي في القارة، داعيًا الشركات إلى تسريح العمال مؤقتًا حتى يتمكنوا من اكتساب المهارات العسكرية.
ومن المتوقع أن تُقرّ حكومة ميرتس التشريع في الأسبوع الأخير من أغسطس، بحيث يمكن تطبيق الخدمة العسكرية التطوعية بحلول يناير 2026، حيث يهدف وزير الدفاع بيستوريوس إلى استقطاب أكثر من 110 آلاف مُجنَّد بحلول نهاية العقد.
وأشار التقرير إلى وجود شكوك جدية في أن يُحقق هذا النهج أفضل النتائج لاقتصاد انكمش خلال العامين الماضيين، إذ يحتاج بشدة إلى عمالة ماهرة لمساعدته على التحديث.
وبينما ارتفعت معدلات البطالة، من المتوقع أن تنخفض مجددًا مع إنفاق الحكومة مئات المليارات من اليورو على تحسين الطرق والجسور.
ومن منظور سوق العمل، ولصالح القوات المسلحة أيضًا، يجب أن تضمن الحكومة أن يكون الأنسب للوظيفة هو من يلتحق بها، لا من هو أكثر ملاءمة لوظائف أخرى، كما قال إنزو ويبر، الخبير الاقتصادي في معهد أبحاث التوظيف.
وأضاف ويبر: “إذا لم تُستغل كفاءات قوتنا العاملة على النحو الأمثل، فستتكبّد ألمانيا خسائر فادحة”.
ولفت التقرير إلى أن عدد الجنود انخفض في عام 2024 إلى أقل من 180 ألف جندي، وهو أدنى مستوى له منذ عام 2018، على الرغم من الجهود المبذولة منذ فترة طويلة للوصول إلى أكثر من 200 ألف جندي.
ورغم أن إجبار الناس على الخدمة قد يبدو حلاً فعالاً من حيث التكلفة، فإن الباحثين في معهد “إيفو” في ميونيخ يحذرون من أن هذا ليس دقيقًا؛ لأن المجندين يقضون وقتًا أقل في سوق العمل، ما يؤخر تعليمهم ويحد من دخلهم في نهاية المطاف.
وذكر الباحثون في ورقة بحثية صدرت عام 2024 أن الانخفاض الناتج في الاستهلاك، مقارنةً بنظام قائم على السوق، سيكون له “عواقب وخيمة على الاقتصاد ككل”.
وختم التقرير بالإشارة إلى أنه مع تحذير الخبراء العسكريين من أن روسيا قد تكون جاهزة لمهاجمة أوروبا في أقل من خمس سنوات، فإن احتمال نشر قوات قتالية فعلية قد يعمل أيضًا كرادع.
وفي حين قد يكون النقاش الأشد تعقيدًا، حتى أكثر من التجنيد الإجباري في انتظار ألمانيا، كما هو الحال بالنسبة للاقتصاد ككل، يمكن للهجرة أن تُسهم في تعويض التغيرات الديموغرافية، وهي فكرة طرحها وزير الدفاع العام الماضي.
ومن المرجّح أن يكون المناخ السائد تجاه هذه الفكرة عدائيًا، حتى بعد ردّ الفعل العنيف ضد المهاجرين الذي دفع ميرتس إلى تعزيز حدود ألمانيا.