الدور الإسرائيلي في محاولة انقلاب الكونغو

السياسي – كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية عن الدور الإسرائيلي في عملية إنقاذ المحكوم عليهم بالإعدام في محاولة انقلاب الكونغو العام الماضي.

وذكرت الصحيفة أن البداية كانت بعملية سرية، وإن كانت غير احترافية، نفذت في مارس الماضي بأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وأشارت إلى أن هدف العملية إنقاذ ثلاثة أمريكيين محكوم عليهم بالإعدام من سجن في الكونغو لتورطهم في محاولة انقلاب في مايو/أيار 2024، لكنها فشلت في غضون يومين.

ولا تزال خيوط هذه العملية مخفية ولم تكشف بشكل كامل، لكن الدور اليهودي-الإسرائيلي، واضح، وفق التقرير.

فأحد المحكوم عليهم بالإعدام هو بنيامين رؤوفين زلمان-بولون، وهو يهودي له أقارب في إسرائيل، وقد انتشرت شائعات عنه بأنه عميل للموساد؛ بالإضافة إلى ذلك، كان أحد “المنقذين” رجل الأعمال الإسرائيلي-الأمريكي موتي كاهانا.

-الموساد والانقلابيون
ويظهر بولون في فيلم وثائقي عن لحظات محاولة الانقلاب في الكونغو، والتي تم اعتقاله على إثرها وحكم عليه بالإعدام.

وكان بولون (36 عامًا) أحد المحكوم عليهم بالإعدام، وهو يهودي أمريكي، عاش في جنوب أفريقيا. نشطت عائلته في الدفاع عن إسرائيل في واشنطن منذ هجوم 7 أكتوبر، وله أقارب في إسرائيل.

ووفقًا للمنشورات، كان بولون متورطًا في تعدين الذهب وتجارة السجائر الإلكترونية في موزمبيق مع كريستيان مالانجا، الذي قاد محاولة الانقلاب في الكونغو في مايو 2024.

-مالانجا في تل أبيب
وأظهرت صور نُشرت آنذاك على مواقع التواصل الاجتماعي بولون ومالانجا في متجر معدات أمنية في تل أبيب وفي قاعدة للجيش الإسرائيلي.

وأثارت اللقطات موجة أحاديث عن المؤامرة حول كون بولون عميلًا للموساد.

وبعد اعتقاله، صُوّر بولون عاريًا، مقيد اليدين، في قارب إلى جانب جثث متمردين آخرين أُعدموا رميًا بالرصاص أو غرقًا في النهر.

وكان الشخصان المحكوم عليهما بالإعدام معه هما مارسيل مالينجا، نجل قائد الانقلاب، الذي ادعى خلال استجوابه أن والده أجبره على المشاركة قُتل والده رميًا بالرصاص، وتايلر تومسون، وهو شاب من ولاية يوتا، قال إنه أُغرِيَ برحلة مجانية إلى أفريقيا.

-تخفيف الإعدام
ووفقًا لتقارير مختلفة، منها رويترز ووسائل إعلام يهودية أمريكية، خففت أحكام الإعدام الصادرة بحق الرجال الثلاثة إلى السجن المؤبد، وسلموا إلى الولايات المتحدة بعد أسابيع قليلة من محاولة الإنقاذ الفاشلة.

وهم الآن رهن الاحتجاز الفيدرالي بانتظار محاكمتهم بتهمة التآمر لتدبير انقلاب في دولة أجنبية.

وكان إطلاق سراحهم جزءًا من اتفاقية دبلوماسية أمنية مع الولايات المتحدة، حيث تعهَّد الأمريكيون بمساعدة الكونغو في الدفاع عن نفسها ضد القوات العسكرية الرواندية العاملة في شرق البلاد، وفي المقابل، سيُتاح لهم الوصول إلى معادن البلاد الاستراتيجية.

وكاهانا، الذي يتردد اسمه في كواليس العمليات، شارك في عمليات إنقاذ إنسانية في أفغانستان وأوكرانيا، وهو الرئيس التنفيذي لشركة الخدمات اللوجستية GDC، التي تم تقديمها لفترة وجيزة كمتعهد مساعدات محتمل لنقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

-كاهانا وغزة
ويدعي أنه لم يتم اختياره في النهاية بسبب الانتقادات التي وجهها لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورفضه دفع “عمولة” إلى جهة اتصال سياسية إسرائيلية.

وينشط كاهانا وشركته حول العالم بشكل كبير أحيانًا في مجال الخدمات اللوجستية، وأحيانًا في مجال الإنقاذ، في آسيا، وأفريقيا، ودائمًا ما يكونون على خط متواصل بين العمل الإنساني والدبلوماسي.

وحسب “يديعوت أحرونوت”، فإنه استعدادًا لمحاولة إنقاذ الأمريكيين الثلاثة من الكونغو في ربيع العام الماضي، شكّل كاهانا وفدًا غير رسمي ضمّ شخصين آخرين، هما جاستن ساب، جندي سابق في القوات الخاصة الأمريكية، وستيوارت سالفوديتز، دبلوماسي سابق في إدارة أوباما اتُهم سابقًا بجريمة كراهية بعد تصويره وهو يشتم بائع طعام مسلمًا في نيويورك في مارس/آذار.

-لقاء الرئيس

وصل كاهانا وشريكاه إلى كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، برفقة سيارات تحمل لوحات دبلوماسية. وكان هدفهم لقاء رئيس البلاد فيليكس تشيسكيدي، وفق المصدر.

ووفق التقرير العبري، كان كاهانا قد التقى تشيسكيدي سابقًا على هامش منتدى دافوس، وحذّره من مؤامرة انقلابية تضم عناصر أجنبية، من بينها إسرائيليون.

وسلّمه ظرفًا يحتوي على قائمة بأسماء قال إنها تضمّ المخططين للمؤامرة.

وكان من بين الأسماء قائد الحرس الرئاسي في البلاد، الجنرال فرانك نتومبا، وتبيّن لاحقًا أن نتومبا هو من كشف هوية من سرّب اسمه.

ولم يُعقد اجتماع الرجال الثلاثة المُخطط له مع الرئيس تشيسكيدي. بل دُعي كاهانا وساب وسالفوديتس إلى عشاء في مُجمّع مُحصّن تابع لشركة مقاولات دفاع إسرائيلية محلية، يقع داخل قاعدة عسكرية.

-تاجر سلاح

كما دُعي إلى هذا الحدث تاجر أسلحة إسرائيلي فرنسي مُقرّب من الحكومة المحلية ويعمل في البلاد منذ عقود، بالإضافة إلى شخصيات أمنية أخرى.

وتفيد الصحيفة العبرية إلى أن هناك روايات مختلفة لما حدث بعد تناول الطعام، ادعى كاهانا وفريقه أنهم تلقوا دعوة من مضيفهم إلى ميدان رماية ليلي في القاعدة “من أجل المتعة”، لكن أجهزة الاستخبارات الكونغولية ادعت بعد ذلك أن ذلك كان غطاء لعملية اغتيال.

وعاد الأمريكيون الثلاثة إلى فندقهم تلك الليلة، وبعد ذلك بوقت قصير، ظهر الجنرال نتومبا، والذي زعم أن كاهانا قد لفّق له التهمة آنذاك، في الردهة وطلب جوازات سفرهم.

وخوفًا من الاعتقال، اتصل أحدهم بالسفيرة الأمريكية في كينشاسا، لوسي تاميلين، التي أرسلت أفرادًا مسلحين من السفارة لمرافقتهم إلى المطار في سيارة دبلوماسية.

وتمكنوا من الصعود إلى طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية كان من المفترض أن تُقلع إلى باريس، ولكن أُنزلوا منها واقتيدوا للاستجواب في غرفة جانبية.

ولم يُفرج عن الثلاثة إلا بعد تدخل متكرر من السفارة الأمريكية، بما في ذلك مناشدة من نائب المبعوث الخاص لشؤون الرهائن في البيت الأبيض، داستن ستيوارت، أو أحيلت إلى السلطات الكونغولية لإثبات أنهم ليسوا منتحلين للجنسية.

ووفقًا لشهود عيان، هرعت مركبات عسكرية كونغولية إلى المدرج في محاولة فاشلة لعرقلة الإقلاع. ووصف كاهانا تلك الأيام الثلاثة في كينشاسا بأنها “أكثر أوقات حياتي رعبًا”.

رغم الفشل، يزعم كاهانا ومسؤولو إدارة ترامب أن المهمة نفسها كانت ناجحة لأنها بعثت برسالة واضحة إلى الكونغو، حول أن الإدارة في واشنطن جادة، وهناك ما يستحق النقاش.

وبالفعل، بعد فترة وجيزة، وقّعت الولايات المتحدة وتشيسكيدي الاتفاق، الذي وفّر أساسًا الحماية العسكرية مقابل الوصول إلى المعادن.

وتفيد الصحيفة العبرية بأن المصلحة الأمريكية في محاولة الإنقاذ واضحة، فإلى جانب إنقاذ الدول الثلاث من هذه الأجواء، أصبحت الكونغو ساحةً حاسمةً في السنوات الأخيرة في الصراع العالمي بالسيطرة على موارد الليثيوم والكوبالت والنحاس.

وسعت إدارة ترامب إلى منح الولايات المتحدة وصولاً تفضيلياً إلى هذه المعادن.

وبعد فشل محاولة كاهانا، وصل كبير مبعوثي ترامب، مسعد بولس، إلى كينشاسا وروج للصفقة بالفعل.