تركيا تحاول ملء الفراغ: الحرب الباردة في الشرق الأوسط

د. هاي إيتان كوهين

في أعقاب الهزيمة الإيرانية في الحرب ”، تسعى أنقرة إلى ترسيخ مكانتها كزعيمة للعالم الإسلامي. فباستغلال الدروس المستخلصة من الحرب، تقوم تركيا بترقية قدراتها العسكرية، وتسعى في الوقت ذاته إلى عزل إسرائيل وإفشال اتفاقيات أبراهام، بما في ذلك احتمال انضمام سوريا إليها.

الحرب أحدثت تغييرات جيواستراتيجية هائلة في الشرق الأوسط. الانتصار الإسرائيلي الساحق على إيران سلب منها، ومن “محور المقاومة”، الهيبة الرادعة التي اكتسبوها على مر السنين. فقد انقلبت الصورة رأساً على عقب بفضل الأداء المذهل لسلاح الجو والاستخبارات الإسرائيلية.

الفراغ الذي نشأ بعد الضربة التي تلقتها إيران ملأته قوتان إقليميتان صاعدتان: إسرائيل وتركيا.

وبصفتها دولة تحدّ إيران، تابعت تركيا مجريات الحرب باهتمام بالغ. ومن وجهة نظر أنقرة، فرغم أنها انتهجت سياسة موالية لإيران، إلا أن الإهانة العسكرية التي تلقتها طهران كانت تطورًا مُفرحًا.

ومع تراجع مكانة إيران، بدأت تركيا تسعى لقيادة العالم الإسلامي. الرئيس أردوغان طالب في قمة منظمة التعاون الإسلامي بتحويل المنظمة إلى قوة ردع أحادية القطب. وفي هذا السياق، تسعى أنقرة إلى تحسين قدراتها الاستراتيجية مستفيدة من دروس الحرب.

ما الذي يركّز عليه أردوغان؟

تركيا تركّز على ثلاثة مجالات رئيسية:
• إصلاح نقاط الضعف الاستخباراتية: نجاح إسرائيل في تصفية أكثر من ثلاثين قياديًا إيرانيًا في الضربة الافتتاحية يُعد درسًا مهمًا.
• تعزيز الدفاعات الجوية: الحرب كشفت الأهمية القصوى لأنظمة الدفاع الجوي. تركيا تعمل بالفعل على تطوير “قبة فولاذية” مشابهة للمنظومات الإسرائيلية.
• تطوير الصواريخ الباليستية: سيتم تخصيص موارد إضافية لصواريخ “تايفون” (بمدى 560 كم) و”جنق” (بمدى 3,000 كم) قيد التطوير.

تركيا تراقب تراجع إيران بارتياح، لكنها تخشى في الوقت ذاته من انهيار تام للنظام. الخوف الأكبر في أنقرة هو أنه إذا تفككت إيران، فقد يسعى الأكراد إلى إعادة إقامة جمهوريتهم التاريخية، مما قد يؤدي إلى موجة انفصالية داخل تركيا. ومن جهة أخرى، فإن ملايين المواطنين من أصول أذرية في شمال غرب إيران قد يسعون للاتحاد مع أذربيجان، الشقيقة التركية.

إسرائيل ستكون الرابح الأكبر من سقوط النظام الإيراني، مما سيقلل من الضغط الاستراتيجي على أمنها القومي. تدرك تركيا ذلك، ولذلك لا ترغب في اختفاء النظام الإيراني بشكل كامل.

مع اندلاع الحرب في 7 أكتوبر، غيّرت تركيا سياستها المؤيدة للفلسطينيين إلى سياسة داعمة لحماس، واتخذت موقفًا عدائيًا تجاه إسرائيل. وفي أكتوبر 2024، أعلنت تركيا أن إسرائيل تشكّل تهديدًا أمنيًا. وردّت إسرائيل بتسريب “تقرير نَجِل” الذي اقترح تصنيف تركيا كـ”دولة عدو محتملة”.

بعد الحرب على ايران ”، بقيت تركيا وإسرائيل وحدهما في قمة النظام الإقليمي، مما يزيد من حدة التنافس بينهما. ومع ذلك، لا تزال الدولتان تحتفظان بعلاقات دبلوماسية كاملة منذ عام 1949، مما يمنع اتخاذ خطوات عدائية مباشرة.

فيما تستمر “الحرب الباردة”، تتزايد التقارير عن اتفاقيات أبراهام جديدة، بما في ذلك احتمال انضمام سوريا إلى ركب السلام. هذه الروح السلمية لا تروق لأنقرة. ومن المفارقات أن تركيا، رغم أنها كانت أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل، لا تؤيد السلام بين إسرائيل والدول العربية الأخرى – بل تفضّل بقاء إسرائيل معزولة.

تركيا أسست اعتمادًا سوريًا كبيرًا من خلال مشاريع في مجال اللوجستيات والبنى التحتية. وفي هذا الوضع، يبدو أن سوريا بقيادة أحمد الشرع تقترب من إسرائيل والولايات المتحدة من أجل الحفاظ على استقلالها في وجه الهيمنة التركية، مما يدفعها نحو “محور اتفاقيات أبراهام”.

كانت الحرب نقطة تحوّل تاريخية أدّت إلى تغييرات زلزالية في خارطة القوى. عزّزت إسرائيل من قدرتها الردعية إقليميًا، بينما تراجعت مكانة إيران. وقد خلق هذا فراغًا إقليميًا جديدًا جعل من إسرائيل وتركيا اللاعبتين المركزيتين في ملئه. احتمالية انضمام سوريا لاتفاقيات أبراهام تتناقض تمامًا مع أولويات أنقرة، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة في الشرق الأوسط تتعمّق فيها الاستقطابات والصراعات على القيادة الإقليمية، وتشكّل أساسًا لـ”الحرب الباردة” بين القدس وأنقرة.

الكاتب هو خبير في الشؤون التركية في المركز الإسرائيلي للإستراتيجية الكبرى (ICGS) ومركز موشيه ديان في جامعة تل أبيب