– في خضم تصاعد التوترات الدامية في محافظة السويداء جنوبي سوريا، برز تباين في المواقف الأمريكية تجاه مستقبل النظام السياسي في البلاد، مما أثار تساؤلات حول السياسة الفعلية لواشنطن. ففي حين أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تعارض مبدأ الفيدرالية أو الحكم الذاتي، وأن القرار النهائي يعود للسوريين، جاءت تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا لتعكس وجهة نظر تبدو أكثر حذراً وتمسكاً بوحدة الأراضي السورية.
المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، تامي بروس، قالت في مؤتمر صحفي يوم الخميس: “مستقبل سوريا بيد شعبها والأولوية الآن للاستقرار، لا نعارض الفيدرالية أو الحكم الذاتي، لكن القرار للسوريين”. وأضافت بروس أن “شمول جميع السوريين في الحكم ضروري لتجنّب مآسي الماضي”، مؤكدةً أن الولايات المتحدة تدعو إلى “بداية تقوم على الاستقرار والبنية التحتية والسلام”. وشددت على أن “القرار بشأن النظام السياسي في سوريا يجب أن يُتخذ من قبل السوريين أنفسهم”.
في المقابل، عكست تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، نبرة مختلفة. ففي تصريحات له قبل أيام، أشار باراك إلى أن النظام الفيدرالي لا يصلح في سوريا، معتبراً أنه لا يمكن تقسيم البلاد على أسس طائفية أو عرقية. وأكد على ضرورة وجود “كيان واحد” وجيش وحكومة واحدة في سوريا، مما اعتبرته أطراف سورية موقفاً يتجاوز دور الوسيط.
هذا التباين في الخطاب الأمريكي يأتي في وقت حرج، حيث شهدت محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية مواجهات عنيفة خلال الأيام الماضية بين فصائل محلية وقوات حكومية، مدعومة بمسلحين عشائريين. وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن سقوط مئات القتلى والجرحى، في واحدة من أكثر موجات العنف دموية في المنطقة منذ سنوات.
ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن حصيلة القتلى تجاوزت 350 شخصاً، بينهم مدنيون ومقاتلون من الطرفين. وتشير التقارير إلى مقتل العشرات من المقاتلين الدروز والمدنيين، بالإضافة إلى عدد كبير من عناصر القوات الحكومية والمسلحين الموالين لها. كما تضمنت الخسائر مقتل عناصر من القوات الحكومية في غارات إسرائيلية استهدفت المنطقة.
وفي سياق متصل، دانت المسؤولة الأمريكية “بشكل قاطع العنف في سوريا”، ودعت إلى “وقف دائم لإطلاق النار”. وأشارت إلى أن الولايات المتحدة تقود “جهوداً دبلوماسية مكثفة خلال الـ 48 ساعة الماضية لخفض التصعيد في سوريا”.
يبقى المشهد السوري معقداً، حيث تتجاذب الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية رؤى ومصالح متباينة، فيما يدفع المدنيون الثمن الأكبر لهذا الصراع الممتد. وبينما تترك واشنطن الباب مفتوحاً أمام تفسيرات متعددة لسياستها، يترقب السوريون ما ستؤول إليه الأوضاع الميدانية والسياسية في بلادهم.