تعتقد الكاتبة والباحثة السياسية د. تمارا حداد أن إسرائيل تستغل ما يجري من صراعات واشتباكات داخل محافظة السويداء بين بعض المجموعات الدرزية، تحديدًا جماعة الشيخ الهجري، والبدو السوريين من جهة، وتدخل قوات الأمن السورية من جهة أخرى، لتحقيق هدف أكبر يتمثل بإعادة هندسة خريطة الشرق الأوسط من بوابة الجنوب السوري.
وترى حداد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما زال يسعى لتنفيذ رؤيته القائمة على تقسيم سوريا إلى “كنتونات” طائفية أو مذهبية وعرقية، بما يشبه خريطة “سايكس – بيكو” جديدة، لكن بنسخة أكثر تفكيكًا.
وتوضح حداد أن المخطط يشمل إقامة “دولة السويداء” تمتد من جنوب سوريا حتى شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، وربما تمتد لتشمل جزءًا من الأراضي اللبنانية، بهدف خلق كيان درزي يفصل العمق السوري عن الحدود مع إسرائيل ويحقق لها منطقة عازلة أمنية طويلة الأمد.
وبحسب حداد، فإن إسرائيل تدفع نحو تعميق الانقسام الداخلي بين شخصيات درزية تؤيد البقاء تحت لواء الدولة السورية الموحدة وأخرى تنساق نحو التعاون مع إسرائيل مثل جماعة الشيخ الهجري وبعض الشخصيات المرتبطة بزعيم الطائفة الدرزية في إسرائيل موفق طريف، حيث أن هذا الانقسام يخلق حالة فوضى ويمنع توحيد الصف الدرزي، ما يسهل التدخلات الخارجية ويجعل الساحة الجنوبية عرضة لاستخدام السلاح والصدام المفتوح.
وتشير حداد إلى أن الضربات الإسرائيلية المتكررة التي تستهدف مواقع ذات رمزية سيادية مثل مقرات الرئاسة والأركان في دمشق، تحمل رسائل سياسية تتجاوز الداخل السوري، فهي أيضًا رسالة مباشرة إلى تركيا التي توسع نفوذها عبر قواعد عسكرية شمال سوريا. وتلفت حداد إلى أن إسرائيل تريد تحجيم النفوذ التركي وإرسال إشارات واضحة بأنها لن تسمح لأنقرة بأن تتحول إلى لاعب مهيمن في الملف السوري.
وترى حداد أن هذا السيناريو يتزامن مع استمرار فكرة “الممر الآمن” أو “ممر داوود” الذي تحلم إسرائيل بإنشائه لربط حدودها مع العراق.
وتشدد حداد على أن غياب مبادرات محلية جادة داخل سوريا لاحتواء حالة الاحتقان، قد يفتح الباب واسعًا أمام تصاعد الفوضى، خاصة في ظل غياب قيادة درزية موحدة يمكنها إبرام اتفاق واضح مع الدولة السورية، وهو ما يمنح إسرائيل ذريعة لمزيد من التدخلات العسكرية في الزمان والمكان الذي تختاره.
وترى حداد أن تعقيد المشهد السوري يزداد مع تشتت السيطرة بين النظام السوري ومناطق الساحل وحمص وحماة، ووجود قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكيًا شرق الفرات، إلى جانب سيطرة فصائل المعارضة المدعومة تركيًا في الشمال، فيما تواصل إسرائيل هجماتها بحجة “منع التمدد الإيراني”.
وتشير حداد إلى أن المنطقة تقف على أعتاب تصعيد مفتوح قد لا يصل إلى حرب شاملة لكنه مرشح لحروب متقطعة وسياسة قصف مستمر، مع زحف إسرائيلي متواصل نحو الجنوب السوري ولبنان، وسط تنافس إقليمي على النفوذ قد يفجر الأوضاع في أي لحظة إذا لم تُبذل جهود حقيقية لاحتواء هذه الأزمة ومنع تفكك سوريا إلى كنتونات هشة تخدم الأمن الإسرائيلي وحده.
