نظم معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي يوم الأحد الموافق 27 يوليو تموز ندوة حوارية تحت عنوان “التطبيع في ظل الإبادة الجماعية: هل يتحول حلم إسرائيل إلى واقع؟”. استضافت الفعالية الدكتورة هبة جمال الدين، الأستاذة بمعهد التخطيط القومي المصري، إلى جانب نخبة من الباحثين والسياسيين والأكاديميين. تناولت الندوة أبعاد التطبيع السياسي والاجتماعي في سياق الحروب التي تشنها اسرائيل على دول المنطقة وخاصة العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، مع التركيز على التداعيات الإقليمية والدولية لهذه السياسات. وقد شهدت النقاشات تحليلاً معمقاً للآليات التي تسعى من خلالها إسرائيل لتحقيق أهدافها الاستراتيجية وسط التحديات الراهنة، بالإضافة إلى استعراض رؤى مختلفة حول تأثير هذه السياسات على القضية الفلسطينية ومستقبل المنطقة. وادار الندوة الباحث عبد المحسن علامة.
افتتح اللواء حابس الشروف، مدير عام معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، الجلسة مرحبًا بالحضور ومشددًا على أهمية تنظيم مثل هذه الندوات التي تسلط الضوء على المخاطر الناجمة عن سياسات التطبيع التي تسعى واشنطن من خلالها إلى دمج إسرائيل كعنصر طبيعي في منطقة الشرق الأوسط. وأكد اللواء الشروف على ضرورة التصدي لمحاولات طمس الهوية القومية العربية، مشيرًا إلى أن هذا النهج التطبيعي يحمل في طياته تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية وعلى استقرار المنطقة ككل. كما دعا إلى تعزيز الوعي الجماعي حول مخاطر هذه السياسات وآثارها بعيدة المدى، مشددًا على أهمية العمل المشترك لمواجهة التحديات التي تفرضها هذه التحولات السياسية.
تناولت المتحدثة جمال الدين مخاطر التطبيع العربي مع إسرائيل في سياق العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني، مع التركيز على قطاع غزة الذي يعاني من حرب إبادة جماعية انتجت أزمة إنسانية متفاقمة. وأشارت إلى مشروع “الهوية الإبراهيمية”، الذي يُطرح كإطار إقليمي جديد يهدف إلى إعادة تشكيل الهويات والانتماءات الدينية والقومية في المنطقة. وأكدت أن هذا المشروع ليس بريئاً، بل يحمل طابعاً إحلالياً يسعى إلى تهميش الهوية العربية القومية والإسلامية، عبر التركيز على نقاط الالتقاء بين الأديان وتجاهل عناصر الاختلاف، مما يخدم مصالح المشروع الصهيوني. كما ربطت المتحدثة هذا المشروع بمخططات تقسيم الدول العربية التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة وما سيحدث مستقبلاً، على غرار ما جرى في العراق والسودان وما يجري في سوريا الان، حيث يتم الدفع نحو إنشاء كيانات طائفية أو إثنية منفصلة عن الدولة المركزية. وأوضحت جمال الدين أن هذه الكيانات غالباً ما تُدار بشكل مباشر أو غير مباشر بما يخدم المصالح الإسرائيلية، ويعزز من حالة التفكك الإقليمي ويهدد الاستقرار العربي. وشددت على ضرورة التصدي لهذه المشاريع التي تستهدف الهوية العربية والإسلامية، والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية والقومية لمواجهة التحديات المشتركة.
وأكدت المتحدثة أن مخطط التطبيع أو ما يسمى بالسلام الابراهيمي لا يمكن اعتباره خطوة سياسية طبيعية، بل هو شكل من أشكال التواطؤ الذي يساهم في تبييض الجرائم المستمرة بحق الشعب الفلسطيني. وحذرت من توظيف الدين كأداة سياسية تهدف إلى إعادة تشكيل وعي الشعوب وإقناعها بقبول واقع جديد تحت مسميات مثل “السلام” و”التعايش”، في ظل استمرار الانتهاكات وعمليات القتل التي تطال الأبرياء، بما في ذلك الأطفال، وتدمير الهوية الفلسطينية عبر القصف والتهجير. وفي سياق متصل، طرحت تساؤلات حول جدوى المسارات الدبلوماسية الحالية، مسلطة الضوء على الاعتراف الفرنسي بالدولة الفلسطينية وما قد يحمله من شكوك تتعلق بتهيئة الأجواء لانضمام دول أخرى الى قطار التطبيع واتفاقيات ابراهام، مثل المملكة العربية السعودية والتي اصدرت موقفاً ثابتاً وواضحاً من المطلب الامريكي متعلق بوجوب الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره قبل التطبيع. وتطرقت المتحدثة أيضا إلى خطر التطبيع الإعلامي أو ما سُمّي بـ”التطبيع السلبي”، الذي يتم من خلال منح منابر إعلامية لعرب يتبادلون الشتائم مع إسرائيليين لتكريس صورة تواصل طبيعي، مما قد يسهّل عمليات التجنيد أو الترويج غير المباشر للمشروع الصهيوني. محذرةً من المخطط الأمريكي الإسرائيلي لإسقاط النظام الإيراني، واستغلال ذلك لإطلاق مشروع “الإبراهيمية”.
خلصت النقاشات إلى أن مشروع التطبيع يحمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز مجرد العلاقات الثنائية بين الأطراف المعنية، حيث يرتبط هذا المشروع بمخططات جيوسياسية تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة العربية وفق أسس طائفية وعرقية. هذه الأسس من شأنها أن تؤدي إلى تفتيت الهوية الوطنية الفلسطينية وتقويضها، مما يضعف الموقف العربي الموحد ويؤدي إلى زيادة التوترات وعدم الاستقرار في المنطقة. كما أن هذه المخططات تسعى إلى استغلال الانقسامات الداخلية وتعميقها لتحقيق أهداف تخدم مصالح إسرائيل بالدرجة الاولى على حساب الأمن القومي العربي. بناءً على ذلك، أكد الحضور على ضرورة تعزيز الوعي الجمعي بخطورة هذه التوجهات والعمل على صياغة استراتيجيات وطنية وإقليمية لمواجهتها، بما يضمن الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية وحماية الأمن والاستقرار في المنطقة.
وكشفت النقاشات ايضاً مخاطر مشروع “الهوية الإبراهيمية” الذي يسعى إلى إعادة صياغة الوعي والذاكرة الجمعية للأمة العربية والإسلامية، مستغلًا أدوات دينية وثقافية وإعلامية لتمرير أهدافه. وفيما يتعلق بالاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، حذر المشاركون من مغبة ان تكون هذه الاعترافات مقدمة لتهيئة واقع سياسي جديد يخدم المصالح الإسرائيلية، وأنه من المهم ترجمة اقوال دول العالم واعترافاتها الى افعال على الارض تدفع بإنهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ورغم هذه التحديات، اشاد الحضور بأهمية الرفض الشعبي العربي للتطبيع، على اعتبار أن هذا الوعي الرافض لمخططات التطبيع يُمثل خط الدفاع الأول في مواجهة هذه المشاريع التي تستهدف الهوية والمصير العربي المشترك.