الإدارة الأمريكية تبدأ بعملية الرد على نتائج قمة نيويورك الداعية للاعتراف بدولة فلسطين

عمران الخطيب

قبل أن يجف حبر بيان مؤتمر نيويورك بالأمم المتحدة، والذي يؤكد على إبراز العناوين وتأكيد حل الدولتين ومبادرة السلام العربية والاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحل متفق عليه للاجئين الفلسطينيين، ومع بداية اليوم الأول من انعقاد المؤتمر، تتوالى إعداد الدول التي سوف تعترف بدولة فلسطين خلال اجتماع الدورة الجديدة للأمم المتحدة في نيويورك خلال شهر أيلول/سبتمبر، حيث وصل عدد الدول إلى 17، ومن أبرز الدول: فرنسا، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا، وألمانيا، التي دعت إلى الاعتراف الفوري بدولة فلسطين.

والخطوات المهمة: وقف تصدير الأسلحة لـ”إسرائيل”، إضافة إلى وقف التعاملات التجارية بين دول الاتحاد الأوروبي و”إسرائيل”. وخلال جلسات المؤتمر والجلسة الختامية، كان التأكيد والمطالبة بوقف العدوان والإبادة الجماعية بقطاع غزة ومنع إدخال المساعدات الغذائية والأدوية ومياه الشرب، بعد عملية الحصار والعقوبات الإسرائيلية على المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة.

إعلان قمة نيويورك لم يكن مجرد إصدار بيانات وشجب لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي، بل شاهد العالم عملية التطهير العرقي للفلسطينيين، والتي تشمل الأطفال والنساء وكبار السن، إضافة إلى التدمير الممنهج لمختلف محافظات قطاع غزة، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية.

ويشاهد العالم عمليات المستوطنين في محافظات الضفة الغربية ومخيماتها والقدس، حيث يقوم المستوطنون بالاعتداءات على المواطنين الفلسطينيين في بيوتهم وحقولهم وحرق الممتلكات، بحماية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى قرارات الكنيست العنصرية، ومنها الدعوة إلى ضم الضفة الغربية لتكريس الاستيطان الإسرائيلي تحت عنوان “يهودا والسامرة”. وتُعتبر قرارات الكنيست الإسرائيلي تحديًا لإرادة المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

الرئيس رونالد ترامب هاجم المشاركين في مؤتمر نيويورك بالأمم المتحدة، وخاصة إعلان العديد من دول العالم الاعتراف بدولة فلسطين. وقد تم التأكيد على ذلك خلال انعقاد الدورة السنوية للأمم المتحدة في نيويورك في شهر أيلول القادم. لذلك، بدأت الإدارة الأمريكية، من خلال وزارة الخارجية، بوضع قائمة من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية لمنع إعطائهم تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولا توجد أسباب جوهرية، بل تُعتبر خطوة استباقية الهدف منها منع أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير من المشاركة إلى جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رئيس دولة فلسطين، حيث تشهد هذه الدورة للأمم المتحدة تصاعدًا في عدد الدول التي سوف تعترف بدولة فلسطين.

لذلك، لا أستبعد منع الرئيس الفلسطيني نفسه من دخول نيويورك لمنع انعقاد هذه الدورة، على غرار منع الإدارة الأمريكية للرئيس الراحل ياسر عرفات من إلقاء خطابه في الأمم المتحدة عام 1974، وتم نقل جلسة الأمم المتحدة إلى جنيف.

سياسة الإدارة الأمريكية برئاسة رونالد ترامب هي سياسة انعزالية لا تنسجم مع إرادة المجتمع الدولي، بل إن السلوك الممنهج يؤكد على الانحياز الكامل إلى جانب سلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي تمارس أبشع أنواع الإرهاب والتطهير العرقي والإبادة الجماعية بقطاع غزة والتجويع.

الموقف الأمريكي المنحاز لـ”إسرائيل” لا يمثل موقف الشعب الأمريكي، الذي عبّر، من خلال الجامعات الأمريكية، عن موقفه، حيث احتشد آلاف الطلبة وطالبوا بوقف العدوان الإسرائيلي والإبادة الجماعية في قطاع غزة. وتنقل مختلف وسائل الإعلام والفضائيات جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي، وعدد القتلى من النساء والأطفال وكبار السن وفئة الشباب الذين قضوا نحبهم جراء العدوان الإسرائيلي. هذا المشهد اليومي للفلسطينيين في قطاع غزة يتصدر الفضائيات، ويفضح الوجه الحقيقي القبيح لـ”إسرائيل” كدولة احتلال تتلقى الدعم والإسناد المالي والسياسي والأمني واللوجستي من قبل الإدارة الأمريكية، التي تُعتبر شريكًا في العدوان السافر على الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال منذ تأسيس دولة “إسرائيل”.

لكل هذه الأسباب، يتصاعد عدد الدول التي سوف تعترف بدولة فلسطين، وفقًا لقرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين.

لذلك، فإن ادعاءات وزارة الخارجية الأمريكية حول منع إعطاء تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة لا تستند إلى أي جانب قانوني، خاصة أن منظمة التحرير الفلسطينية لا تزال تلتزم بقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة، إضافة إلى حل الدولتين ومبادرة السلام العربية، بما في ذلك اتفاق أوسلو، رغم عدم التزام “إسرائيل” بذلك الاتفاق.

بل إن حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة، بعد مقتل رئيس الوزراء إسحق رابين على يد “إسرائيلي”، منعت تنفيذ اتفاق أوسلو من قبل الجانب الإسرائيلي، بدليل تصويت الكنيست الإسرائيلي على رفض حل الدولتين ورفض الاعتراف بدولة فلسطين، وعقد جلسة الكنيست لضم الضفة الغربية تحت مسمى “يهودا والسامرة”.

الإجراءات الإسرائيلية المتطرفة ساهمت في عزل حكومة نتنياهو الإرهابية، وسياسة رونالد ترامب تعزل الولايات المتحدة عن دول العالم.

لذلك، على قوى الشد العكسي من أصحاب الأجندات الخارجية المشبوهة في الوقت الحاضر أن يختاروا ما بين الوقوف إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني بنيل الاعتراف بدولة فلسطين من دول العالم، أو البقاء إلى جانب أجندات الإدارة الأمريكية و”إسرائيل”.

لقد تعودنا على الاختلاف داخل منظمة التحرير الفلسطينية لنصل إلى التوافق الوطني لتحقيق الأهداف الوطنية لشعبنا الفلسطيني. نحن الآن أمام محطة مفصلية في الصراع مع “إسرائيل” كدولة احتلال تعمل على تصفية القضية الفلسطينية عبر الإبادة الجماعية في قطاع غزة والتطهير العرقي في الضفة الغربية والقدس لتهجير شعبنا الفلسطيني، لذلك علينا ترك الخلافات الداخلية والتصدي لمشروع تصفية القضية الفلسطينية.

الجدير بالذكر أن منظمة التحرير الفلسطينية لا تزال على قائمة “الإرهاب” من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وما يزال مكتب منظمة التحرير مغلقًا في واشنطن، والهدف هو النيل من منظمة التحرير الفلسطينية كونها الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا الفلسطيني.

عمران الخطيب
Omranalkhateeb4@gmail.com