في 8 أغسطس 2025، أعلن المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغّر قراره باجتياح مدينة غزة، تمهيدا لاحتلال كامل القطاع. قرار لا يخرج عن العقلية الصهيونية التي قامت على القتل والاقتلاع، لكنه اليوم يأتي في لحظة فارقة، حيث دماء الفلسطينيين لم تجف بعد من مجازر الأشهر الماضية، وحيث الحصار والجوع والدمار يطوق كل بيت وكل شارع في غزة.
هذه ليست مجرد عملية عسكرية جديدة، بل هي خطوة في مشروع إبادة متكامل، هدفه إفراغ غزة من أهلها، وكسر إرادة شعب أثبت في كل مواجهة أنه لا يهزم … يعلم الاحتلال تماما عندما يغزو مدينة غزة، سيفتح على نفسه أبواب حرب شوارع، كما يعلم أنه لن يخرج منها منتصرا، لكنه يراهن على أن آلة القتل قد ترهق الفلسطينيين وتدفعهم للاستسلام.
الردود الدولية كانت متوقعة: بيانات شجب، إعراب عن القلق، بعض القرارات الرمزية كتجميد صفقات سلاح هنا أو هناك. لكن لم يتحرك أحد لوقف المجزرة القادمة. ما قيمة كلمات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، إذا لم تتحول إلى ضغط حقيقي يفرض على الاحتلال التراجع؟ الحقيقة المؤلمة أن العالم يعرف جيدا ما يحدث في غزة، لكنه اختار الصمت، أو على الأقل الاكتفاء بإدارة الأزمة بدل إنهائها.
حتى داخل الكيان، هناك من يرى أن القرار جنون سياسي وعسكري. عائلات الأسرى الإسرائيليين ترفع الصوت، تخشى أن يتحول أبناؤها إلى أوراق محروقة في حرب بلا أفق. معارضون يصفون الاجتياح بأنه “مغامرة انتحارية” ستغرق إسرائيل في مستنقع غزة. لكن نتنياهو وحكومته اليمينية يواصلون الهروب إلى الأمام، محاولين تغطية فشلهم السياسي والعسكري بالمزيد من الدم الفلسطيني.
غزة اليوم ليست مجرد مدينة تحاصر أو تقصف. هي رمز لفلسطين كلها … اجتياحها هو محاولة لكسر الروح التي هزمت الاحتلال في كل جولة، من الانتفاضة الأولى حتى معركة الإبادة. لكن من يعرف غزة يعرف أن هذه الأرض لا تستسلم، وأن كل حجر وكل زقاق فيها يمكن أن يتحول إلى خندق مقاومة.
إسرائيل تراهن على أن الإمعان في القتل والتجويع سيجعلان الفلسطينيين يرفعون الراية البيضاء. لكنها تتناسى أن هذا الشعب ولد وفي فمه طعم الحصار، وفي قلبه إصرار لا يكسر … اجتياح غزة قد يضيف فصلا دمويا جديدا في سجل الجرائم الصهيونية، لكنه أيضا قد يكون اللحظة الفارقة التي يدرك فيها العالم أن فلسطين قضية شعب يستحق الحياة.
إنها لحظة الحقيقة : إما أن نقف نحن والعرب والمسلمون وأحرار العالم وقفة جدية، أو يكتب التاريخ أننا كنا شهود زور على إبادة القرن.
