صور الجوعى في غزة تطيح بصورة إسرائيل عالمياً

السياسي – ينشر موقع “ذا هيل” الأميركي مقالاً للخبير العسكري والمحلل الاستراتيجي كولن باسكال، حذر فيه من أن حرب الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة ألحقت بإسرائيل ضررًا بالغًا لا يمكن إصلاحه على مستوى الرأي العام العالمي، داعياً الحكومة الإسرائيلية إلى وقف العمليات العسكرية فورًا قبل فوات الأوان.

يقول باسكال، وهو عقيد متقاعد في الاستخبارات العسكرية الأميركية، إن الحرب لم تعد تخدم المصالح الإسرائيلية، بل أصبحت عبئًا أخلاقيًا وسياسيًا واستراتيجيًا، في ظل التحولات الحادة في مواقف الشعوب والحكومات حول العالم.

بحسب المقال، فإن علاقات دولة الاحتلال مع الناخبين الأوروبيين والأميركيين شهدت تدهورًا حادًا، وأن هذا الانهيار آخذ في التصاعد نتيجة مشاهد الأطفال المجوّعين في غزة.

وقال “هذه الصور تدمي القلوب، وستبقى في الذاكرة لأجيال”، مشيرًا إلى أن الرأي العام لم يعد يصدق السرديات الرسمية الإسرائيلية، ولا يبرر استمرار هذه الحرب التي “أصبحت بلا أفق”.

ويضيف: “في مرحلة ما، على أي دولة عاقلة أن تستبدل العاطفة بالعقل، وأن تُدرك حدود قوتها”، موضحًا أن إسرائيل لا يمكنها مواصلة هذه الحرب دون أن تُلحق ضررًا وجوديًا بسمعتها كـ”فاعل أخلاقي” على الساحة الدولية.

يشير المقال إلى أن التعاطف العالمي بات يتحول بوضوح نحو الشعب الفلسطيني، وأن مشاهد المجاعة والمعاناة هي ما يُحرّك هذه التحولات.

وفي الوقت الذي تواصل فيه دولة الاحتلال عملياتها العسكرية، بدأت حكومات عدة باتخاذ خطوات ملموسة تجاه الاعتراف الرسمي بدولة فلسطينية، كردّ مباشر على المجازر والانتهاكات في غزة.

ويؤكد باسكال أن دولة الاحتلال “أخطأت عندما ظنت أن بإمكانها سحق كل شيء بلا عواقب، لكنها الآن تدفع ثمن تجاهل الرأي العام العالمي، الذي بات يرى الأمور بعين مختلفة تمامًا”.

ينتقد الكاتب العقلية الإسرائيلية القائمة على السعي نحو نصر أبدي وإزالة كل تهديد، معتبرًا أن الواقعية الجيوسياسية تتطلب إدارة الأزمات لا القضاء عليها تمامًا.

ويشبّه هذا المنظور بالسياسات الأميركية إبان الحرب الباردة، حيث لم يكن الهدف تدمير الخصم، بل احتواؤه وتجنب الفوضى.

ويضيف أن دولة الاحتلال “تعتقد أنها تستطيع إعادة تشكيل غزة بالكامل، لكنها بذلك تُلحق أضرارًا بعيدة المدى بمكانتها الدولية، وتخسر أكثر بكثير مما تكسب”.

من أبرز النقاط التي شدد عليها باسكال أن صور الأطفال الهزيلين في غزة أصبحت رمزًا دائمًا للمعاناة الإنسانية، وأنها لن تُمحى من الذاكرة العالمية بسهولة.

وأكد أن “هذه الصور، حتى إن لم تُعرض كلها بدقة، موجودة في أذهان البشر… يصعب نسيانها، وهي التي تغير مزاج العالم حاليًا”.

وفي هذا السياق، اعتبر الكاتب أن القرار الإسرائيلي بالسماح جزئيًا بدخول المساعدات أو وقف العمليات العسكرية لساعات في بعض المناطق “خطوة صغيرة ومتأخرة”، ولا تغيّر من جوهر المشكلة: استمرار الحرب والقتل والجوع.

يلفت المقال إلى أن دولة الاحتلال باتت قضية حزبية في السياسة الأميركية بعد أن كانت تحظى بدعم شبه مطلق من الحزبين.

ويستدل على ذلك بتصويت 24 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس الشيوخ في أغسطس/آب الجاري لصالح حجب المساعدات العسكرية عن إسرائيل، وهو تطور غير مسبوق.

ويوضح باسكال أن الأميركيين الذين ما زالوا يدعمون دولة الاحتلال بشكل أعمى يتهمون خصومهم بمعاداة السامية، لكنه يحذر من أن “هذه الأساليب الدفاعية لم تعد تُقنع الناس، ولا تُوقف التحولات المتصاعدة في الرأي العام الأميركي”.

دعا باسكال الإدارة الأميركية إلى التدخل لإنهاء الحرب، معتبرًا أن استمرارها سيُفضي إلى تآكل غير مسبوق للعلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وتل أبيب.

وقال: “لقد أدّى الجيش الإسرائيلي مهمته الأولية… أما استمرار الحرب فسيؤدي إلى تغيير جذري في نظرة العالم إلى (إسرائيل)”.

ويُشدّد على أن واشنطن مطالبة اليوم بلعب دور الموجّه والراشد السياسي، بدلاً من تقديم غطاء غير مشروط لحرب أصبحت غير مقبولة شعبيًا وأخلاقيًا.

في ختام مقاله، يوجّه كولن باسكال رسالة تحذير صريحة إلى القيادة الإسرائيلية، مفادها أن استمرار القتال لم يعد يخدم المصالح الإسرائيلية، بل يدمر كل ما بنته على مدار عقود.

ويقول: “كل يوم تواصل فيه (إسرائيل) حربها على غزة، تبتعد أكثر عن صورتها كدولة تحترم القيم الديمقراطية والحقوق الإنسانية. وبما أنها تُعرّف نفسها كالدولة اليهودية الوحيدة، فإن أفعالها تُحمّل المجتمع اليهودي العالمي تبعات لا ذنب له فيها”.

ويضيف أن “العداء المتزايد ضد اليهود حول العالم ليس نتيجة خطاب الكراهية فقط، بل أيضًا نتيجة ما تفعله (إسرائيل) من جرائم موثقة على شاشات العالم”.

ويختم باسكال بتحذير صادم: “تُظهر الحكومة الإسرائيلية اليوم أنها تسير بخطى ثابتة على نهج الجوع والدمار، وهي بذلك تُحقق لعدوها هدفه، وتفقد العالم إلى الأبد”.