السياسي – تمارس “إسرائيل” تحريضًا علنيًا موثقًا على قتل الصحفيين الفلسطينيين في غزة منذ أنّ بدأت حربها الدموية على القطاع في أكتوبر/ تشرين أول 2023، ما يجعلهم يحملون أرواحهم على أكفّهم وهم في ميادين العمل يوثقون جرائم الاحتلال بحق شعبهم الأعزل من قتل وتجويع وتشريد.
وجريمة اغتيال الصحفيين الستة الليلة الماضية بقصف خيمتهم أمام بوابة مجمع الشفاء الطبي غرب مدينة غزة، ليلتحقوا بقافلة تضم 238 صحفيا اغتالتهم الاحتلال من بداية الحرب، ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل ممنهج لإسكات الحقيقة وحجبها عن العالم وتكميم الأفواه.
وتأتي الجريمة البشعة بعد شهور طويلة من عملية تهديد وتحريض ممنهجة شنها المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي ضد الصحفيين، وعلى رأسهم مراسل الجزيرة أنس الشريف.
هذه الجرائم، التي ترتكب بدم بارد وعلى مرأى المجتمع الدولي، تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني وللحق في حرية الرأي والتعبير، وتؤكد أن استهداف الصحفيين بات سياسة متعمدة لطمس ما يفعله الاحتلال من مجازر بشعة بحق المدنيين في غزة، تبعا لمراقبين إعلاميين وحقوقيين.
وقال الإعلامي أحمد الشيخ رئيس قناة الجزيرة الفضائية الأسبق؛ ومستشار رئيس شبكة الجزيرة؛ إنّ ما قامت به سلطات الاحتلال من استهداف طواقم القناة؛ محاولة بائسة لتغطية جرائمها التي تخطط لها في مدينة غزة.
وأوضح الشيخ أنّ هذا السلوك الإجرامي يريد صناعة صدمة في الرأي العام الدولي؛ لكي يتم تجاوزها وتقبّل أي جرائم أخرى يمكن ارتكابها في القطاع.
وذكر أن هذه الجرائم تأتي في سياق الإبادة المتواصلة التي تستهدف في الأساس الصحفيين؛ خاصة أنس ومحمد بما مثلاه من أيقونة صحفية صمدت في غزة؛ ونجحت في الكشف عما يجري في القطاع من مجازر وتجويع.
وبين الشيخ أن استمرار هذه الإبادة؛ نتيجة ضمان “إسرائيل” الانفلات من العقاب؛ وغياب مساءلة مجرميها؛ وأنهم ستكون بمأمن من المحاسبة.
وتابع: “مراسل الجزيرة أنس الشريف لم يمت، بل أُعدم لأنه كشف الحقيقة التي يريدونها مخفية تحت ركام القصف والجوع”.
وشدد أنّ “إسرائيل” تريد صناعة روايتها الخاصة بها؛ فصاغ رئيس وزرائها نتنياهو جملة أكاذيب قبل ساعات فقط من استشهاد الزملاء بالجزيرة؛ ويريد أن يجنّد إعلاما دوليا تسوق روايته؛ بل وتحظى على دعم مباشر ومتواصل من الولايات المتحدة؛ والمجتمع الدولي الذي بقي ولا يزال صامتا تجاه مذابح الاحتلال بغزة.
ودعا لتكثيف التغطية في مدينة غزة خلال الفترة المقبلة؛ لإفساد المخطط الإسرائيلي الرامي لذبح غزة بصمت وبدون ضجيج.
وبحسب ما جاء في كلام الشيخ، أنّ “الجزيرة تعرضت بكل أسف لحملة تشويه متواصلة من أطراف مختلفة وبشكل متزامن؛ وكان يراد منذ نشأتها إسكات صوتها وتغييبه في نقل الرواية الفلسطينية”.
وخلص إلى أن دولة الاحتلال مستمرة في ارتكاب جرائم إبادة وقتل وتهجير، بعيداً عن الإعلام، وتسعى لإسكات الشهود وخنق صوت الحقيقة، متحدية المحاكم الدولية والمنظومة الدولية التي تواجه اليوم تحدياً كبيراً إما بمواجهة إسرائيل أو الإذعان لانتهاكاتها ومجازرها.
-القاتل والآسر الأكبر..
ترى “إسرائيل” في الإعلام بقطاع غزة تهديدا خطيرا عليها؛ وتعاملت معه بإبادة نتج عنها ارتقاء 238 شهيدا؛ وهو الرقم الأكبر لصحفيين يرتقون في تغطية منطقة نزاع في العالم، وفق ما أكده رئيس شبكة اتحاد الحقوقيين الدوليين في جنيف أنور الغربي.
وقال الغربي إنّ هذا الخوف كان ناتجا من حرصها عدم إظهار ما ترتكبه من جرائم حرب وإبادة غير مسبوقة في التاريخ؛ ورغبتها في إخفاء هذه الجرائم عن المجتمع الدولي؛ لضمان عدم الحاق الضرر بروايتها.
لكن الطواقم الصحفية بالرغم من كل الملاحقات والقتل والتهديد به على مدار الأشهر الماضية، نجحت في إخراج الصورة والتأثير المباشر والحقيقي على رواية الاحتلال المزيفة؛ خاصة في سياسة التجويع الممنهجة؛ التي حاولت “إسرائيل” إخفاء تفاصيلها عن العالم؛ يُضيف الغربي.
وأشار إلى أنّه “إزاء ذلك عمدت إسرائيل على شن حملة تشويه ثم تهديد المباشر؛ ثم قتل واستهداف في محاولة إسرائيلية للانتقام من الصحفيين على دورهم في كشف فضائح الاحتلال.
وأوضح أنّ “إسرائيل” أظهرت منذ بداية عدوانها على غزة حرصاً واضحاً على خوض الحرب على الجبهة الإعلامية باعتبارها إحدى الجبهات الرئيسية، عبر إسكات كل صوت حر، وكسر كل كاميرا، ومنع الصحفيين من الوصول إلى مواقع الأحداث أو نقل الحقائق للعالم.
واستطرد: “كنا نشهد أكبر جريمة في التاريخ البشري، جريمة حاولت إسرائيل أن تمنع تصويرها، لكن الصحفيين الذين تمكنوا من توثيق المشاهد كشفوا للعالم حجم الفظائع والدمار”.
كما كشف أنّ بعض الجرائم التي ارتكبت في غزة وثّقت عبر تصوير جوي، أظهر للعالم هول الانتهاكات المرتكبة بحق المدنيين، وهو ما دفع “إسرائيل” لمحاولة طمس هذه الصور ومحو الأدلة.
وأكد الغربي، أن “إسرائيل” خسرت معركة الصورة والإعلام، وأن جرائمها صارت موثقة صوتًا وصورة، مما أدى لملاحقة جنود وضباط إسرائيليين في عدة دول حول العالم.
وأوضح أن دولة الاحتلال هي السجان الأول في العالم؛ الذي يستدعي ويعتقل العدد الأكبر من الصحفيين، كما أنها الدولة الأولى في العالم التي ترتكب جرائم قتل وإعدام مباشر للصحفيين في منطقة جغرافية كغزة.
وذكر أن ذلك كله يتم أمام فيتو أمريكي يدين “إسرائيل” سياسيا وقانونيا وقضائيا في المحافل الدولية؛ ويحمل كرت التهديد ضد أي محاولة لإدانة الاحتلال، ولو على المستوى اللفظي؛ كما تعرضت لذلك الجنايات الدولية.
ورأى أنّ صمت المجتمع الدولي أمام هذه الجرائم الموثقة يعد تواطؤا صريحا وغير مقبول، داعياً إلى تحرك عاجل لحماية الصحفيين ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم التي تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني.