“مروان البرغوثي: صخرة الإرادة الفلسطينية التي لا تُكسر”

بقلم: فادي قدري أبوبكر

شهد آب/أغسطس 2025 تصاعدا ملحوظا في خطوات وتصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرّف إيتمار بن غفير ضد السلطة الفلسطينية وقيادة الحركة الوطنية الأسيرة، في مشهد يعكس سياسة ممنهجة لاستهداف الرموز الوطنية ومحاولة كسر إرادة الشعب الفلسطيني.

في العاشر من آب/أغسطس، دعا بن غفير إلى خطوات فورية لتفكيك السلطة الفلسطينية، ووقف ما سمّاه “أوهام إقامة دولة فلسطينية”. وهاجم اتفاقيات أوسلو والخليل وواي ريفر، واصفاً إيّاها بأنها خطأ تاريخي وظلم مستمر، ودعا إلى إعادة الأراضي الفلسطينية إلى السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وإنهاء دور السلطة، في خطوة سياسية تهدف إلى تصفية أي أفق للحل السياسي.

بعد خمسة أيام فقط، انتقل بن غفير من التصعيد السياسي إلى الميداني، حين اقتحم زنزانة الأسير والقيادي الفلسطيني عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” مروان البرغوثي في العزل الانفرادي، وهدّده أمام الكاميرا بالقول: “لن تنتصروا، ومن يستهدف شعب إسرائيل ومن يقتل أبناءنا ونساءنا سوف نمحوه”، فيما ظهر على البرغوثي آثار الإنهاك والجوع.

الفيديو الذي صوّره الاحتلال يكشف الصدمة الحقيقية، التي لم تنبع من عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 نفسها، بل من ما فعلوه بعدها وما كانوا يتوقعون حدوثه ولم يحدث: انهيار إرادة الأسير الفلسطيني أمام كل التهديدات ومحاولات الترهيب.

مروان البرغوثي، الذي تجري في عروقه دماء الشهداء الثلاثة الذين سبقوه في التسابق على الموت: محمد جمجوم، وعطا الزير، وفؤاد حجازي، يثبت أن الإرادة الوطنية أقوى من أي سجن أو تهديد، وأن صخرة عزيمته لا تهتز. البرغوثي رمز حي للمقاومة، يشهد على أن الحرية لا تُقهر، وأن أي قمع مهما طال لن يكسر الروح الفلسطينية.

يقضي البرغوثي أحكاماً بالسجن المؤبد منذ أكثر من عقدين، ويُمثّل بالنسبة للفلسطينيين رمزاً وطنياً يتجاوز حدود الزنزانة، ويجسّد فكرة المقاومة والصمود. وما يخشاه الاحتلال في شخصه ليس قدرته الميدانية فحسب، بل رمزيّته التي تلهم الأجيال وتضمن استمرار الفكرة.

ما جرى بين العاشر والخامس عشر من آب/أغسطس يكشف أن استهداف الرموز الفلسطينية ليس حدثاً معزولاً، بل جزءاً من سياسة متكاملة تهدف إلى ضرب البنية السياسية والمعنوية للشعب الفلسطيني. لكن التاريخ أثبت أن القمع مهما اشتد لا يلغي فكرة الحرية، بل يعيد شحنها ويجعلها أكثر تجذّراً.

ورغم القسوة والدمار الذي يعصف بالشعب الفلسطيني، تبقى روحه متشبثة بالحياة والحرية، وتعاهد الأجيال على أن يعود النور ليضيء الديار التي طالها الظلم والاحتلال. وكما قال والدي الشهيد قدري أبو بكر: “تستطيع قوة القمع أن تدرك أشياء كثيرة ، لكنها أعجز ما تكون عن إدراك أن مضطهديها سيستطيعون يوماً سحقها”، فإن مروان البرغوثي اليوم يجسّد هذه الحقيقة بوضوح، ثابتاً في زنزانته كجبل، مؤكّداً أن زمن السجّان لا يدوم، وأن فجر الحرية آتٍ مهما طال الليل.