السياسي – قالت مجلة فورين بوليسي، إن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب فاشل في إدارة الملفات الدبلوماسية الكبرى، مشيرة إلى افتقاره إلى الإستراتيجية والتحضير المسبق، واعتماده على المظاهر واللقطات الإعلامية لجذب الانتباه، ما يدفعه إلى تقديم تنازلات مجانية لخصومه في نهج مرتبك يعكس افتقاره إلى المصداقية.
وقالت المجلة في تقرير، إن الجمع بين القمة الغريبة في ألاسكا مع فلاديمير بوتين والاجتماع الأقل غرابة لقادة الناتو في واشنطن، يعد تذكيرًا جديدًا بأن ترامب مفاوض سيء، وخبير في “فن التنازل”. فهو لا يستعد، ولا يطلب من مرؤوسيه تمهيد الأمور مسبقًا، ويصل إلى كل اجتماع دون أن يعرف ما يريد أو أين تقع خطوطه الحمراء، وليس لديه إستراتيجية ولا يهتم بالتفاصيل، لذا فهو يتصرف بشكل عشوائي.
وأوضحت أن فترة ولايته الأولى قد علمتنا أنه عندما أضاع الوقت في اجتماعات غير مهمة مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، أن كل ما يسعى إليه ترامب هو جذب الانتباه، مصحوبًا بمشاهد درامية توحي بأنه المسيطر، أما جوهر أي صفقة يعقدها فهو أمر ثانوي، وهذا هو السبب في أن بعض الاتفاقيات التجارية التي أعلن عنها مؤخرًا أقل فائدة للولايات المتحدة مما يدعي.
وأشارت إلى أن السبب الوحيد الذي يجعل تصرفات ترامب الدبلوماسية المتقلبة مثيرة للاهتمام هو أنه يشغل منصب رئيس الدولة الأقوى في العالم، وأن أعضاء الكونغرس الجبناء من الحزب الجمهوري يواصلون تلبية كل نزواته، ولكن عندما يواجه أشخاص مثل ترامب ووزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو والدبلوماسي الهاوي ستيف ويتكوف شخصيات مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ينبغي أن نتوقع أن الجانب الروسي سيستفيد بشكل كامل.
وقالت إن إجراء مفاوضات ناجحة مع خصم جاد يتطلب تقييمًا واقعيًا لمصالح كل طرف وقوته، ولا يمكن إقناع زعيم مثل بوتين بتقديم تنازلات لمجرد أنه يحبك أو لأنك قمت بفرش سجادة حمراء له على المدرج، ولن تحقق أي تقدم من خلال الانغماس في التفكير بالتمني أو إطلاق التهديدات أو الوعود التي لا يأخذها أحد على محمل الجد.
وأكدت المجلة أن السياسة الغربية تجاه روسيا وأوكرانيا قد عانت من هذه المعضلة لأكثر من عقد، فجذر المشكلة يكمن في انعدام التوازن بين دوافع روسيا والغرب، وهو نابع من اختلاف التصورات للتهديد وتعريف المصالح الحيوية، والدافع الأهم وراء أفعال بوتين هو الخشية العميقة، والمتفق عليها في الطيف السياسي الروسي، من أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو يشكّل تهديدًا وجوديًا لروسيا.
ولم يكن هناك ما هو أشد إضرارًا بالموقف الغربي في هذه القضية من رفض نخب السياسة الخارجية الاعتراف بأن التوسع غير المحدود للناتو كان خطأً استراتيجيًا، وهذا أحد “الأسباب الجذرية” التي أصرّ بوتين على وجوب معالجتها في أي اتفاق سلام، بينما حاول دعاة التوسع الغربي إنكارها أو تجاهلها. وبالطبع، لا يبرّر هذا حرب بوتين، لكنه يجعل إنهاء الصراع أصعب إذا لم تُعالج أسبابه الأساسية.
وذكرت المجلة أن الحقيقة المؤلمة أن موسكو قبلت بوضع اقتصادها على مسار الحرب والتضحية بمئات الآلاف من الأرواح، بينما لم يفعل الغرب ولن يفعل ذلك. صحيح أن الأوكرانيين قدّموا تضحيات هائلة، وأن الغرب دعم كييف بالمال والسلاح والاستخبارات والتدريب والدعم الدبلوماسي، لكن كان واضحًا منذ البداية أن في أوروبا أو أميركا الشمالية لن ترسل قواتها للقتال هناك.
والنتيجة أن روسيا كسبت الأفضلية على أرض المعركة، جزئياً بسبب أخطاء أوكرانية كالهجوم المضاد الفاشل في صيف 2023. لذلك، على من يصرّون أن الحل الوحيد هو استعادة أوكرانيا لكل أراضيها (بما فيها القرم) والانضمام لاحقاً للناتو والاتحاد الأوروبي، أن يوضحوا كيف يمكن تحقيق ذلك، فالمطالبة به على طاولة المفاوضات دون إستراتيجية مقنعة أمر غير واقعي.
ويطرح هذا تساؤلًا حول ما إذا كان ترامب محقًا في الانحياز إلى بوتين في قمة ألاسكا الأخيرة، ورفض ضغوط القادة الأوروبيين، والإجابة هي لا.
وبينت الصحيفة أن هناك رهانات أكبر في هذه القضية، وعلى الولايات المتحدة وأوروبا أن يركزا استراتيجياتهما التفاوضية عليها؛ حتى وإن كان لا بد من أخذ بعض مطالب بوتين في الاعتبار، لكن مطالب مثل انسحاب الناتو من أراضي بعض أعضائه، أو “نزع النازية” من أوكرانيا، يجب أن تُرفض. وإذا كانت روسيا تصر على حماية نفسها من تهديد خارجي محتمل من أوكرانيا، فعلى أوكرانيا أن تحمي نفسها من هجوم روسي متجدد وأن تمتلك وسائل الدفاع عن نفسها.
وهذا هو السبب في اهتمام كييف وبعض الدول الأوروبية بضمانات أمنية تشبه المادة الخامسة من ميثاق الناتو ولكن دون عضوية رسمية. غير أن لهذا الطرح يواجه اعتراضين: أولاً، المادة الخامسة ليست آلية تلقائية تستدعي التدخل العسكري. ثانياً والأهم، من الذي يمكن أن يثق بوعود ترامب، وهو الذي اعتاد نقض التزاماته وتغيير مواقفه بلا إنذار؟
وأضافت المجلة أن هناك فكرة تُطرح أيضًا لعقد لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي برعاية أميركية، ولكن يصعب تصديق أن اجتماعًا كهذا سيحقق سلامًا دائمًا ما لم تتغيّر موازين القوى ميدانيًا. مرة أخرى، لا ينبغي الانخداع بمشهد اللقاءات الشخصية التي تثير ضجة إعلامية وتحقق نتائج ضئيلة، خصوصاً حين يكون ترامب وويتكوف طرفين فيها.
وبالنظر إلى كيفية سير القتال، واهتمام روسيا بهذه القضية أكثر من الغرب، فإن أفضل ما يمكن توقعه هو حصول موسكو على بعض ما أرادته. ولكن بالنظر إلى التكاليف الهائلة التي دفعتها بالفعل، واحتمال تكبد خسائر أكبر إذا استمرت أوكرانيا في تلقي دعم خارجي سخي، يبقى من الممكن حرمان روسيا مما لا يخدم مصالح الغرب.
واختتمت المجلة تقريرها بأنه بدلاً من نهج ترامب المتقلب وصراعاته مع الحلفاء الأوروبيين، فإن أفضل طريق هو أن تحافظ الولايات المتحدة على جبهة موحدة مع أوروبا، وأن يواصل الناتو دعمه العسكري السخي لأوكرانيا، وأن تخوض واشنطن وكييف مفاوضات جدية ومدروسة مع روسيا بناءً على تقييم واقعي لمواقف الطرفين، ومن المؤكد أن البيت الأبيض في عهد ترامب ليس المكان المناسب لهذه المهمة.