لقادة إسرائيل: لا تغتروا بدعم ترامب فهو قصير النفس

السياسي – عندما تظهر مسدساً بهدف التهديد، فعليك أن تكون مستعداً لاستخدامه أيضاً. هذه قاعدة قديمة طبقها نتنياهو والكابنت وجيش الاحتلال الإسرائيلي عندما أقروا قبل أسبوعين السيطرة على مدينة غزة. عرف رئيس الحكومة كيف يخلق تهديداً موثوقاً عندما أشرك ترامب في هذه العملية وقدم للكابنت مشروع قرار يمكن الجيش الإسرائيلي ورئيس الأركان ليس فقط من التعايش معه بل وتنفيذه مع كثير من الدافعية.

فعلياً، بدأ جيش الإحتلال بالسيطرة على مدينة غزة حتى قبل أن يتخذ الكابنت القرار، وحيث الطواقم الحربية للفرقة 99 بدأوا بالقدم والتقدم ببطء إلى داخل حي الزيتون جنوبي المدينة. في الوقت نفسه، أصدر المتحدث باسم الجيش بالعربية تعليمات إخلاء للمواطنين في أحياء متطرفة أخرى لمدينة غزة. الآلاف الذين وجدوا ملجأ في وسط المدينة وغربها، فهموا الإشارة وبدأوا بالإخلاء.

قائد قوات حماس عز الدين حداد، الذي ربما يجلس الآن في نفق تحت المدينة، ومستشاره رائد سعد، فهما مثل بعثة الحركة إلى الدوحة، أن نتنياهو يمارس عليهم تهديداً للضغط حتى يعودوا إلى طاولة المفاوضات ويوافقوا على صفقة شاملة، يتم في إطارها إطلاق سراح كل الاسرى، ويتم الاتفاق على شروط وقف دائم لإطلاق النار. ولكنهم فهموا أن هذا المسدس، الذي أخرج من الدرج بدعم من ترامب معبأ بالرصاص، وسيكون بعد فترة قصيرة مستعداً وجاهزاً للإطلاق.

ليس التهديد والضغط العسكري وحده ما جعل حماس توافق على ما رفضته في مفاوضات الدوحة في تموز. في حينه، عندما قطعت حماس الاتصال بالوسطاء ولم توافق على خطة ويتكوف، كانت حملة التجويع في غزة في ذروة نجاحها. وكان ضغط عائلات الاسرى والجمهور الإسرائيلي في أوجه عقب أفلام الهياكل العظمية التي تمشي والتي نشرتها حماس في إطار الحرب النفسية الوحشية التي تشنها. علاوة على ذلك، بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بحملة الاعتراف بدولة فلسطينية، وانضمت إليه دول غربية أخرى. كل هذا جعل حماس “الداخل” و”الخارج” تستنتج بأن دور إسرائيل حان الآن لتقديم تنازلات كبيرة.

قرار الكابنت بالسيطرة على مدينة غزة وانضمام رئيس الأركان والجيش الإسرائيلي أديا إلى انعطافة 180 درجة في موقف حماس. ليس فقط الضغط العسكري وحده ما عمل هنا، بل أمران آخران:

1. إسرائيل تمكنت بدرجة كبيرة من تحييد تأثير حملة التجويع بواسطة إدخال مساعدة جواً وبراً بكميات كبيرة، مع إزالة جزء كبير من العوائق.

2. بقاء ترامب مخلصاً للخط المتصلب الذي اتفق عليه مع نتنياهو. التهديدات المستمرة التي يطلقها الرئيس الأمريكي من حين لآخر أثارت، أثناء محاولته صنع السلام في أوكرانيا، إعجاب الوسطاء بدرجة لا تقل عن إعجاب حماس.

وإن تولي مصر إدارة الوساطة، وإغضاب حماس للرئيس السيسي (مثلما ظهر من تصريحات أحد كبار شخصياتها)، ساهم في الوضع الجديد – عودة التنظيم إلى طاولة المفاوضات، بل موافقتها على اقتراح ويتكوف الذي رفضه سابقاً.

-إسرائيل عالقة في المنتصف

باتت حكومة إسرائيل الآن في معضلة. حماس توافق على صفقة جزئية يتم في إطارها تحرير عشرة اسرى أحياء وسيعاد 18 جثة، مقابل وقف لإطلاق النار مدته 60 يوماً وانسحاب إسرائيلي جزئي من داخل أراضي القطاع. بيد أن قرار الكابنت ينص بصورة صريحة، وعاد نتنياهو ليقول هذا في الأسابيع الأخيرة، بما في ذلك أول أمس، إن إسرائيل ستوافق على صفقة يطلق في إطارها سراح كل الاسرى الأحياء والأموات، من خلال تطبيق خمسة مبادئ تشكل تسوية في غزة عند التوصل إلى وقف إطلاق النار أو هدنة دائمة: 1. إعادة كل الاسرى. 2. تجريد غزة من السلاح الثقيل. 3. تجريد حماس من سلاحها. 4. إجلاء قادة حماس من غزة. 5. سلطة مدنية فلسطينية ليست هي بحماس ولا السلطة الفلسطينية.

هذه معضلة معقدة ذات جوانب أخلاقية وعاطفية، وسياسية وعسكرية. إذا رفضت إسرائيل اقتراح صفقة جزئية، لن يطلق سراح عشرة اسرى أحياء ولن تعاد 18 جثة لتدفن، وذلك في الوقت الذي لا ثقة في تحقيق صفقة شاملة في المستقبل المنظور. ربما تخرج إسرائيل صلعاء من هنا ومن هناك، لا لأن حماس ستمس بالاسرى فحسب، بل لأن جيش الإحتلال سيعمل، ما سيعرض الاسرى للخطر.

من جانب آخر، واضح أن حماس الآن في حالة “ضغط نووي” بسبب تهديد الاحتلال لمدينة غزة. معنى هذا المفهوم الخيالي والذي استخدمه نتنياهو، هو أن حماس تخشى فقدان معقلها السلطوي والعسكري الوحيد المتبقي لها في القطاع، والذي هو ذو أهمية رمزية كعاصمة للقطاع، وفيه يعيش عز الدين حداد، الرجل العسكري الكبير الذي يعتبر آخر من تبقى للتنظيم.

العمل الصحيح -حسب تقديري- سيكون المطالبة بصفقة شاملة والتوصل إلى اتفاق عليها قبل أن يعلن رسمياً عن وقف لإطلاق النار، سواء جزئياً أم كاملاً. ربما يكون التنفيذ تدريجياً، أي التوصل إلى اتفاق يطلق في بدايته سراح عشرة اسرى أحياء و18 جثة، وفي مراحل لاحقة يحدد إطلاق سراح الـ 22 المتبقين.

على الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه أن يشمل مبادئ لوقف إطلاق نار دائم، والتي يجب أن تكون واضحة قبل إطلاق سراح المجموعة الأولى من الاسرى والدخول إلى وقف لإطلاق النار. سيواصل الجيش الإسرائيلي في هذه الأثناء تنفيذ قرار الكابنت وقضم تدريجي لأحياء غزة، دون المسارعة، من خلال مفاوضات على صفقة شاملة، ويتفق على ما سيحدث في كل مرحلة بالاسرى وللقتال في غزة، والانسحاب الإسرائيلي من مناطق معينة، وتجريد غزة من السلاح وإقامة حكم مدني.

خلافاً للصفقة السابقة من كانون الأول/ كانون الثاني، من الواجب أن يتفق مسبقاً على شروط تنفيذ مجمل المراحل، بحيث لا يتمكن أحد الطرفين من خرق العملية في وسطها. لا يجب الدخول إلى صفقة إلا بعد معرفة مبادئها النهائية المطلقة لها وتتفق عليها كل من حماس وإسرائيل والولايات المتحدة والدول الوسيطة. التوصل إلى اتفاق على التفاصيل ربما يستغرق وقتاً ما (على سبيل المثال: ما المعنى الفعلي لـ “تجريد حماس من سلاحها”؟ المصريون يقترحون تفسيراً ما، في حين أن إسرائيل تقترح تفسيراً آخر)، ولكن هذه هي الطريق للوصول إلى هناك.

مسألة أبو مازن

حسب تقديري، إذا واصلت حكومة إسرائيل المطالبة بصفقة شاملة ولكنها وافقت على أن تكون السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن شريكة أو مصدراً لصلاحيات الحكم الذي سيحل محل حماس، فيمكن وقتئذ أن تحصل الخطة على موافقة كل الدول العربية والولايات المتحدة والأوروبيين. إن إشراك السلطة في حكم غزة في الواقع يعارض مبادئ نتنياهو وسموتريتش وبن غفير، ولكن يمكنهم مواجهة هذه القضية في المستقبل – إذا أرادوا أو كانوا في السلطة – بوسائل دبلوماسية.

في هذه الأثناء، كل الاسرى سيعودون، والقتال سيتوقف، وإسرائيل ستسيطر أمنياً على القطاع. إذا كان هنالك تنازل يجدر بنتنياهو والكابينت القيام به، فهو على إصرارهم بأن لا تكون السلطة الفلسطينية جزءاً من “اليوم التالي” في القطاع. ستحصل إسرائيل على شرعية دولية، وسيزيل ماكرون وحلفاؤه عملية الاعتراف بدولة فلسطينية عن الأجندة، وسيكون بالإمكان خلق إجماع بين الولايات المتحدة، والدول الوسيطة والدول العربية (بالأساس الإمارات) الذين سيمولون إعمار غزة.

وحتى الآن، يطرح السؤال: لماذا ستوافق حماس؟ الإجابة أن الضغط الممارس عليها الآن يبدو فعالاً، وإذا وافقت إسرائيل فقط على صفقة جزئية، فالشروط ستتغير. ستتلقى حماس تشجيعاً من الأمم المتحدة في أيلول، باعتراف عشرات الدول بدولة فلسطينية. أما ترامب فربما ينقلب بسبب قصر نفسه، ويطالب بوقف الحرب فوراً. (هنالك دلائل على حدوث هذا). والعملية العسكرية في غزة قد تتعقد وتجبي أثماناً باهظة.

يفضل عدم الدخول إلى صفقة جزئية وإلى وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 60 يوماً، بل عقد صفقة يتم الاتفاق في إطارها على إطلاق سراح كل الاسرى على مراحل وعلى مبادئ الاتفاق الدائم في القطاع في اليوم التالي. نحن قريبون من هناك. الدول الوسيطة أصبحت تتحدث مع حماس عن هذا. لهذا، يجب إبداء صبر، ومواصلة الضغط العسكري والمفاوضات حتى وإن استغرق ذلك أسبوعاً أو أسبوعين آخرين.

رون بن يشاي – واي نت 21/8/2025