نزار العيسة.. رحّالة يكتب جغرافيا الوطن بنور الشمس وظلال القمر

كتب / مأمون شحادة

يجوب الرحّالة الفلسطيني نزار العيسة تضاريس فلسطين، مستدلاً بضوء القمر، متتبعاً خيوط الشمس، كمن يرسم على أديم الأرض خريطة عشقٍ وانتماء. لا يكتفي بقراءة الأمكنة بعيني الجغرافي، بل يتذوّقها بروح الشاعر وعقل الباحث.

وحين نستحضر مقولة المفكّر محمد جابر الأنصاري: “قبل أن تقرأ التاريخ، اجعل الجغرافيا فاتحة كاتبه”، ندرك أن العيسة لم يقرأ جغرافيا الوطن فحسب، بل جعلها مدخلاً لكتابة تاريخٍ مقاوم، ينقشه على جباله ووديانه وحقوله ومساربه.

وليس صدفة أن يكون العيسة ابن الدهيشة؛ ذلك المخيم الذي وُلد من الجغرافيا المقتطعة والشتات القسري، لكنه تحوّل إلى رمزٍ حيٍّ يعيد إنتاج الانتماء. فمن الدهيشة التي تختصر حكاية المنفى والذاكرة، ينطلق رحّالتنا ليعيد وصل الجغرافيا الممزقة، وليقول إن المخيم –رغم ضيقه– يتسع لفلسطين كلها.

وهكذا، يمضي العيسة في رحلته بين القمر والشمس، بين المخيم والوطن، كأنه يكتب بفلسطين على فلسطين. كل حجرٍ يلمسه يتحول إلى شاهدٍ أبدي، وكل دربٍ يخطوه يصير جملة في كتاب الأرض. ومن قلب الدهيشة الضيّق يولد اتساع لا تحدّه خرائط، لتغدو الجغرافيا بين يديه قصيدةً تُتلى، والتاريخ نافذةً تُفتح، والوطن نهراً لا ينضب. كأن العيسة لا يسير على الأرض فحسب، بل يسير على صفحة السماء، يرسم فلسطين بخطوط الضوء، ويترك لنا خارطةً لا تُمحى، مرسومةً بالحلم، وممهورةً بالخلود.

إنها رحلة تتجاوز حدود المكان لتغدو فعل مقاومة بالمعرفة والجمال؛ إذ يحوّل العيسة خطواته إلى حروف، ومسالكه إلى سردية حيّة، تضيء دروب الفلسطينيين وتذكّرهم بأن الجغرافيا ليست فقط خرائط صامتة، بل روحاً نابضة تحفظ هوية الوطن.

awanalrai@gmail.com