يأبهون لـ 20 شخصاً ولا يرون مليوني غزي يُبادون

السياسي – تقود إسرائيل حكومة متوحشة ورئيس حكومة بلا رحمة، لم نر مثلهم هنا من قبل. حياة الناس – الغزيون، الجنود والاسرى – لا تهم هذه الحكومة. هي تذبح سكان غزة، وتفرط بالجنود والاسرى بنفس الدرجة من المساواة. قامت أمامها معارضة صغيرة من خارج البرلمان، إنسانية وشجاعة، ترى في حياة الإنسان قيمة سامية. بين هذه الحفنة من الناس وبين حكومة الشر، يقف معسكر الوسط: معظمه يناضل ضد فقدان الإنسانية والتضليل الذي تقوم به الحكومة، ويصدمون من كل فيلم، ويقض مضاجع الكثيرين منهم بسبب مصير المخطوفين والجنود القتلى، لكن إذا تم الإبلاغ عن مذبحة فظيعة في مستشفى، يتثاءبون بعدم اهتمام.

هم أفضل من الحكومة ومن مؤيديها. هم إنسانيون ومتضامنون، لكن نصف إنسانيين ومتضامنين. لا يوجد كائن كهذا، نصف أخلاقي. كما أن الأخلاق المزدوجة لا تعتبر أخلاقاً، فإن نصف الأخلاق ليست أخلاقاً، بل العكس، هذا ما هم عليه. هم يخافون على حياة 20 شخصاً، ويتجاهلون حقيقة أن دولتهم تقتل بالمتوسط كل ست ساعات عشرين شخصاً من الأبرياء. الإنسانية عندهم تتوقف عند حدود القومية. هم يقيمون الدنيا من أجل إسرائيلي واحد، ويشيحون بوجوههم عن فلسطينيين مصيرهم أكثر وحشية بكثير. هم يغضبون بسبب قسوة قلب نتنياهو، لكن قسوة قلوبهم ليست أقل منه؛ فهم يظهرون نفس القسوة والشر أمام الآخر الفلسطيني.

هذه ظاهرة يصعب فهمها، تصل إلى قاع الحضيض في الحرب الحالية. كيف تصدمنا رؤية افيتار دافيد الجائع، بل ونفرح لصيد بشر يقفون في الطابور للحصول على الطعام؟ كيف يصدمنا مصير عائلة بيباس، ولا نظهر أي اهتمام بالألف طفل رضيع والـ 19 ألف طفل الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي والـ 40 ألف طفل يتيم؟ كيف لا ننام الليل بسبب الأنفاق، ولا نهتم بما يحدث في “سديه تيمان” ومجدو، وفيهما نمارس كل الأفعال المخجلة؟ كيف يمكن ذلك؟ كيف يمكننا المطالبة بزيارة الصليب الأحمر من أجل الاسرى في حين تمنع إسرائيل هذه الزيارات عن آلاف الاسرى الفلسطينيين؟

هذه هي أخلاق قبائل الهونتوت. من الإنساني والمفهوم ضمناً أن تهتم أولاً بأبناء شعبك، لكن إظهار عدم الرحمة المطلقة تجاه أبناء شعب آخر، يذبح بوحشية وتُدمر بلاده أمام ناظريه بأيدينا، تحول الكثير من الطيبين في كابلان وميدان المخطوفين إلى أشخاص بلا إنسانية. بالنسبة لهم، حتى إن بعضهم يقول ذلك علناً، على إسرائيل فعل كل ما في استطاعتها لتحرير المخطوفين، وبعد ذلك استئناف الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي، الأساس هو تحرير المخطوفين. هذه ليست أخلاقاً أو إنسانية، هذه قومية متطرفة حقيرة.

أن ترى الناس – أطفالاً، وذوي احتياجات خاصة، وشيوخاً، ونساء وعاجزين آخرين – وكأنهم لا شيء، أن ترى أن قتلهم وتجويعهم مشروع، وممتلكاتهم ليست ممتلكات ولا كرامة لهم، فكل هذا يعني أن تكون أنت نتنياهو وبن غفير وسموتريتش. يجب وضع إنسانية مطلقة أمام الشر المطلق، لكنه أمر غير موجود في إسرائيل. الملجأ الأخلاقي لتعليق شريط أصفر على السيارة وإظهار القلق على الاسرى كما يبدو، لا يعتبر ملجأ وأخلاقاً. وشخص قومي متطرف، وفارغ مثل ألموغ بوكر، الذي يعرف أنه “لا يوجد أبرياء في غزة”، ويريد تحرير الاسرى، هذا لا يجعله شخصاً أقل قومية وتطرفاً أو أقل حقارة حتى ولا للحظة.

القوة الأخلاقية للاحتجاج جزئية، لأن أخلاقيتها جزئية. لو كان أخلاقيا لوضع على رأس اهتماماته نضالاً ضد الإبادة الجماعية، إلى جانب النضال لتحرير الاسرى. لا يمكننا الهرب حتى من الأرقام: 20 اسيرااً على قيد الحياة وأكثر من 2 مليون فلسطيني، حياتهم باتت جهنم. القلب لن يكون مع هؤلاء ومع أولئك أيضاً.

-جدعون ليفي – هآرتس 31/8/2025