الإدارة الأمريكية و”إسرائيل” كدولة احتلال تتحملان مسؤولية النكبة الجديدة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، في القرن الحادي والعشرين. النظام الرسمي العربي أخفق في أن يمتلك زمام المبادرة لوقف العدوان والإبادة الجماعية في قطاع غزة، ولم يستخدم نقاط القوة الكافية لوقف المجازر ضد الرجال والنساء والأطفال وكبار السن، واكتفى بلغة الشجب والتنديد، في حين غاب الفعل، رغم حجم الإمكانيات التي تمتلكها الأمة العربية والإسلامية.
محاولات خجولة تمثلت في إدخال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء، لكن لم يدخل سوى كميات محدودة من خلال الإنزالات الجوية التي استحدثها الأردن، فيما تبقى بوابة رفح مغلقة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي. أما إدخال المساعدات عبر معبر رفح فيتم بشكل محدود وفقًا لإجراءات “إسرائيل” التي تعتبر أن إدخال المساعدات الإنسانية للمواطنين يدفعهم إلى الصمود وعدم الموت جوعًا والثبات في وطنهم، مما يفشل مخطط التهجير القصري.
لقد لوّحت دولة الإمارات العربية المتحدة بالإشارة إلى إلغاء مشروع “السلام الإبراهيمي”، وهي خطوة نوعية ممكن البناء عليها ولكن حكومة نتنياهو وحلفاءه، سموتريتش وزير المالية، وبن غفير وزير الأمن القومي، ومعهم أعضاء الائتلاف في حكومة الاحتلال الإرهابية، يعتبرون أن العرب والمسلمين مجرد وجود هامشي. وكما قال وزير الداخلية الإسرائيلي السابق أرييه درعي: “لنركبهم مثل البغال والحمير”. هذا الوصف أطلقه درعي على “السلام الإبراهيمي”.
هؤلاء هم عنوان الإرهاب، ومن يظن غير ذلك عليه مراجعة مواقف وتصريحات المسؤولين في حكومة نتنياهو وأعضاء الكنيست الإسرائيلي، خاصة في “الكبينيت”. لذلك من غير المجدي الاستمرار في المراهنة على إحداث تغيير في مخطط الكيان الصهيوني الذي يستهدف الأمن القومي العربي بدون استثناء، وبدعم وإسناد من الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، الذي أشفق على دولة “إسرائيل” واعتبرها صغيرة الحجم من حيث المساحة الجغرافية، ولذلك ينطبق علينا جميعًا، عربًا ومسلمين: “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”.
لذلك، المطلوب استخدام مختلف الإمكانيات من قبل الدول العربية والإسلامية. وقد سبق أن عُقد اجتماع القمة العربية والإسلامية في المملكة العربية السعودية، وحققت هذه القمة بعض النتائج من خلال اللجنة العربية السداسية، حيث تمثل ذلك في تحرك مسؤولي المجموعة بالاتصال مع دول الاتحاد الأوروبي لوقف العدوان في قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية للمواطنين الذين يموتون جوعًا حتى الآن.
كما أن التحرك الدبلوماسي نتج عنه عقد مؤتمر دولي في مقر الأمم المتحدة في نيويورك من خلال المملكة العربية السعودية وفرنسا، وبمشاركة أعضاء من ست دول. وقد تبلور عن ذلك الإعلان عن نية أكثر من 17 دولة الاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، خلال اجتماع الدورة الجديدة للأمم المتحدة في نيويورك. لكن الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب سحبت تأشيرات دخول الوفد الفلسطيني.
وفي المحصلة، فإن دول وشعوب العالم تدعم حقوق الشعب الفلسطيني بعد نتائج العدوان والإبادة الجماعية في قطاع غزة وعمليات التطهير العرقي للفلسطينيين في محافظات الضفة الغربية ومخيماتها والقدس. لذلك نثمّن هذه التحركات والمواقف، لكن المطلوب لمواجهة التحديات الإسرائيلية للعرب والمسلمين هو وقف مختلف أشكال التطبيع والاتفاقيات مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وعزل “إسرائيل” من المنظومة الدولية، وفرض العقوبات والحصار عليها.
وعلى النظام الرسمي العربي أن يدرك أن حماية النظام العربي لا تتحقق بالقبول بالإملاءات الأمريكية، بل في إعادة النظر واستخدام أوراق القوة لمواجهة مخطط المشروع الصهيوني وتكريس قبضة “إسرائيل” على مقدرات الأمة العربية والإسلامية من المحيط إلى الخليج.
لذلك، فإن وقف العدوان والإبادة الجماعية في قطاع غزة، ومواجهة ضم الضفة الغربية، يشكّل قاعدة الارتكاز للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم.
عمران الخطيب
Omranalkhateeb4@gmail.com