في لحظة فارقة من تاريخ الإنسانية، ارتفع صوت طفلة غزية محاصر في أثير العالم، ليصبح رمزًا للبراءة المغتالة وصرخة مدوية ضد الصمت الدولي. فيلم “صوت هند رجب” الذي عُرض مؤخرًا في مهرجان البندقية، لم يكن مجرد عمل سينمائي، بل شهادة دامغة على وحشية الاحتلال الإسرائيلي، وعلى معاناة شعب ما زال يُذبح على مرأى ومسمع العالم.
مأساة الطفولة الفلسطينية
في يناير 2024، وجدت الطفلة هند رجب نفسها محاصرة داخل سيارة مدمرة بعد أن قصفها جيش الاحتلال بالدبابات، بينما قُتل أفراد عائلتها أمام عينيها. بصوت مرتجف اتصلت بالهلال الأحمر، تستنجد: “أنا خائفة جداً… تعالوا أنقذوني”. لكن الاحتلال لم يترك حتى بصيص الأمل، فقد استهدف أيضًا سيارة الإسعاف التي تحركت لإنقاذها، ليرتقي المسعفون شهداء إلى جانب الطفلة، في جريمة مركّبة تكشف بجلاء عقلية الفاشية التي تستبيح الأطفال والإنسانية.
فيلم يوثق الجريمة ويهز الضمائر
المخرجة التونسية كوثر بن هنية التقطت هذا الصوت الأخير وحولته إلى فيلم وثائقي–روائي يمزج الحقيقة بالدراما، ليجعل من قصة هند رمزًا لكل أطفال غزة الذين دفعوا حياتهم ثمنًا للاحتلال. الفيلم حاز أطول تصفيق واقف في تاريخ مهرجان البندقية (23 دقيقة)، في مشهد يعكس حجم الصدمة والتأثر العالمي بالقصة.
دعم عالمي غير مسبوق
الأهمية لا تكمن فقط في قوة الفيلم، بل في الدعم الدولي الذي حظي به. فقد وقف وراء العمل منتجون وفنانون عالميون من الصف الأول، بينهم:
• النجم براد بيت.
• الحائز على الأوسكار خواكين فينيكس.
• النجمة روني مارا.
• المخرج الكبير ألفونسو كوارون.
• المخرج البريطاني جوناثان غليزر.
إلى جانب شركات إنتاج عالمية مثل Plan B Entertainment وFilm4. هذا الزخم الفني العالمي أعطى الفيلم بُعدًا سياسيًا وإنسانيًا هائلًا، وجعل من هند أيقونة إنسانية لا يمكن للعالم تجاهلها.
هل يصحو العالم؟
الفيلم لا يكتفي بسرد مأساة هند، بل يطرح سؤالًا وجوديًا: إلى متى يستمر الصمت على قتل الأطفال الفلسطينيين؟ إلى متى يُترك جيش الاحتلال ليستهدف المدنيين والمسعفين دون حساب أو عقاب؟ هذه الصرخة المدوية قد تكون بداية كسر جدار الصمت، وتحريك ضمائر الرأي العام العالمي للضغط على الحكومات والمؤسسات الدولية، حتى لا يبقى دم الأطفال وقودًا لمشاريع الاستعمار والاحتلال.
ختاما : “صوت هند رجب” ليس مجرد فيلم، بل وثيقة إدانة، ونداء إنساني يتجاوز حدود غزة إلى العالم كله. لقد حوّل صوت طفلة قُتلت ظلمًا إلى جرس إنذار يذكّر البشرية بمسؤوليتها الأخلاقية: إما أن تقف مع الحق والعدالة، أو تبقى شريكًا في الجريمة بالصمت والتواطؤ.
*ناشط وكاتب عربي فلسطيني عضو الامانة العامة للشبكة العربية للثقافة والرأي والاعلام.