الحروب… ذاكرة دامية ودرس لم يُستوعب بعد:

بقلم: عماد خالد رحمة _ برلين.

الحروب دائماً تترك وراءها بصمة سوداء في ذاكرة البشر، فهي لا تنتهي مع توقف المدافع أو توقيع اتفاقيات السلام، بل تظل آثارها حاضرة في النفوس والخرائط والسياسات. ومن يتأمل تاريخ الإنسانية سيجد أن نتائج الحروب المدمرة لم تُمحَ أبداً، بل بقيت مثل شبحٍ ثقيل يثير الخوف من مستقبل مجهول.
الحربان العالميتان الأولى والثانية كانتا مثالاً صارخاً على حجم الدمار، إذ خلّفتا ملايين الضحايا والمشردين، ودمّرتا مدناً كاملة، وأدخلتا العالم في دوامة من الرعب والفوضى. لكن منطقتنا العربية أيضاً لم تكن بمنأى عن الحروب الطاحنة: من اجتياح المغول والتتار، إلى الحملات الصليبية، مروراً بالحروب العثمانية، وصولاً إلى الاستعمار الأوروبي الحديث والحروب الصهي ونية والأمريكية في مصر والعراق وسورية ولبنان وليبيا والمغرب. كلها محطات تركت ندوباً لم تلتئم بعد.
العقلاء من المفكرين والسياسيين يرون أن هذه الكوارث ليست مجرد ماضٍ، بل دروس يمكن أن تشكّل ضمانة لعدم تكرارها. فالمطلوب اليوم هو إطفاء نيران النزاعات بالحوار والتفاوض والتحكيم العادل، والبحث عن المصالح المشتركة بدل الاحتراب المستمر. لقد فهمت أوروبا هذه المعادلة بعد أن أحرقتها الحروب الداخلية والإيديولوجية قروناً طويلة، حتى أدركت أن طريق المستقبل يمر عبر التعايش والاندماج الاقتصادي والسياسي، وليس عبر المدافع والدبابات.
مع ذلك، لا تزال أوروبا نفسها تعاني من صعود أصوات التطرف القومي والديني، ومن نزعات الانفصال والكراهية. لكن ما يبعث على الأمل أن أصوات العقلاء لا تزال أعلى وأقوى، تسعى لتصحيح المسار وبناء وحدة قائمة على المصالح المشتركة. هذه الروح التصالحية هي التي سمحت بفتح الحدود وتعزيز الانتماء القاري على حساب الانقسامات القومية والعرقية.
الأدب بدوره لم يقف بعيداً عن توثيق المأساة. فقد قدّم لنا تولستوي في “الحرب والسلام” نموذجاً أدبياً عميقاً لفهم الحروب النابليونية في روسيا، فيما كتبت مارغريت ميتشل “ذهب مع الريح” لتوثّق مآسي الحرب الأهلية الأمريكية. هاتان الروايتان، وغيرهما، ليستا مجرد سرد قصصي، بل شهادتان على أن الحروب تأكل الأخضر واليابس وتترك الإنسان أمام سؤال أبدي: لماذا نعيد إنتاج المأساة كل مرة؟
إن الخلاصة التي لا مهرب منها هي أن الحروب لم تُنتج سوى الخراب، وأن الطريق إلى الاستقرار يمر عبر السلام القائم على العدالة. غير أن الواقع يكشف أن الدروس لم تُستوعب بعد، فالعالم لا يزال يكرر ذات الأخطاء، وكأن الذاكرة المثقلة بالدماء لا تكفي لإيقاف عجلة الجنون البشري.