“وداع البيوت قبل أن تموت!”

ابراهيم ملحم

 

ليست البيوت مجرد حجارة، بل قلوب نابضة، وضحكات صاخبة مجلجلة، مطبوعة على الجدران والأسوار، وسهرات العائلات في الصالونات، وعلى المصاطب في ليالي الصيف مع أباريق الشاي، تحت ظلال الجمّيز والبرتقال، وامتدادات الدوالي في الأفنية المفتوحة على الريح.
طالت الإبادة المساكن والسكان، ولم يبقَ بيتٌ في القطاع إلا وأصابه الدمار، وانتشرت في الشوارع تلال الركام، حتى لم يعد العائدون إلى بيوتهم يعرفون أماكنها ليستعيدوا بعض ذكرياتهم، ويُصيخوا السمع لضحكات أطفالهم التي دفنت تحت الركام.
تُعدّ غزة المدينة عاصمة القطاع لما تضمّه من أبراجٍ وعمارات، ومنازل، ومصانع، ومدارس، ومستشفياتٍ وجامعات، وفنادق، ومطاعم، ومساجد وكنائس، ومواقع تاريخية وترويحية تنتصب على شاطئها الغنيّ بالثروات.
في اللحظات الأخيرة قبل الإخلاء إثر وعيد نتنياهو لسكان المدينة بمغادرتها فورًا، يُودّع أصحاب البيوت والشقق في الأبراج الحيطان، ويلقون نظراتهم الأخيرة على صالوناتهم، وغرف نومهم ومعيشتهم، وأماكن وقوفهم في صلواتهم بين يدي ربهم في كعبتهم؛ كما يقول ثمانينيّ إن بيته بمثابة كعبته.
يموت شقاء العمر في غزة ببطش القوة العمياء، كما تموت زينة الحياة؛ المال والبنون، فترى الأمهات والجدات المفجوعات يحتضنّ الأبناء والأحفاد الملفّعين بالبياض في إغفاءتهم الأخيرة في المجمرة.

يااااا الله.. أوقفوا الإبادة الآن.