اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية ساحقة، لمشروع القرار المؤيد لإعلان نيويورك بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يمثّل لحظة فارقة في مسار الكفاح الطويل للشعب الفلسطيني من أجل الحرية والاستقلال. فقد صوّتت (142) دولة لصالح القرار، مقابل (10) دول عارضت و(12) امتنعت، وهو ما يعكس حجم الإجماع الدولي على ضرورة تجسيد حل الدولتين، واعترافاً واضحاً بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
هذه النتيجة تفتح أفقاً سياسياً وقانونياً جديداً، إذ لم يعد بالإمكان تجاهل الإرادة الدولية التي عبّرت عن نفسها بوضوح، في مواجهة سياسات الاحتلال الإسرائيلي القائمة على العدوان والتوسع الاستيطاني والتمييز العنصري. فالقرار لا يقتصر على كونه نصاً أممياً إضافياً، بل يُمثل ـ بصفته أول قرار في الدورة الثمانين للجمعية العامة ـ إشارة إلى عزلة متنامية للاحتلال، وإدانة شاملة لنهجه القائم على تقويض فرص السلام وإدامة الصراع.
إن اعتماد إعلان نيويورك ومرفقاته باعتبارها أساساً لتنفيذ حل الدولتين، يُعيد وضع القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام الدولي، ويوفّر مرجعية جامعة قادرة على إعادة إحياء المسار السياسي المسدود منذ سنوات طويلة. وفي هذا السياق، لا بد من تثمين دور كل من المملكة العربية السعودية والجمهورية الفرنسية في رعاية مؤتمر التسوية السلمية الذي أفضى إلى هذا الإعلان، وهو جهد يستحق التقدير لما يمثّله من التزام صادق بدعم الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
غير أنّ التحدي الحقيقي يكمن في نقل القرار من حيّز النصوص إلى ميدان التنفيذ. فالمجتمع الدولي مطالب اليوم بتحويل هذا الزخم السياسي إلى خطوات عملية وملزمة، تضع حداً للاحتلال المستمر، وتوقف العدوان الممنهج على الشعب الفلسطيني، وتضمن رفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، بما يتيح للشعب الفلسطيني أن يعيش بحرية وكرامة فوق أرضه، ويمارس حقه غير القابل للتصرف في الاستقلال والسيادة.
إن هذا القرار يعكس إدراكاً متزايداً بأن استمرار الوضع الراهن لم يعد مقبولاً ولا قابلاً للاستمرار، وأن العدالة والسلام لا يمكن أن يتحققا إلا بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. إنه دعوة صريحة للمجتمع الدولي كي يتحمل مسؤوليته كاملة، ويترجم هذا التوافق العريض إلى مسار سياسي ملزم، يعيد الأمل إلى شعبنا الفلسطيني ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقرار في المنطقة.
ختاماً، نتوجه بالشكر والتقدير إلى الدول التي صوتت لصالح القرار، فقد وقفت إلى جانب الحق والعدل والحرية، وأسهمت في تكريس قناعة راسخة بأن فلسطين ليست وحدها في معركتها من أجل تقرير المصير، وأن وعد الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية لم يعد حلماً بعيداً، بل هدفاً يقترب كلما تعاظم صوت العدالة في العالم.
د. عبدالرحيم جاموس
الرياض /السبت
13/9/2025 م
