ترمب غير مهتم بوقف المذابح الاسرائيلية في غزة

هارتس
رئيس الوزراء يتجاهل رئيس الأركان زمير وكبار المسؤولين الأمنيين الذين يعارضون استمرار الحرب، ويدفع لإرسال عشرات الآلاف من الجنود لاحتلال مدينة غزة، ما يعرّض حياتهم وحياة الأسرى الذين لا يستطيع الجيش ضمان سلامتهم، وحياة مئات آلاف الفلسطينيين. إسرائيل تقف على أعتاب توسيع كبير للعملية البرية في غزة. رغم المعارضة الواسعة من جانب رؤساء الأجهزة الأمنية، وعلى رأسهم رئيس الأركان أيال زمير، يصرّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تسريع العملية واحتلال مناطق إضافية في غزة، في وقت قريب جداً. نتنياهو والائتلاف اليميني – المشيحاني الذي بناه حوله قد يجرّون الدولة إلى كارثة أخرى، ستنطوي على تعقيدات سياسية وأمنية قد يصعب الخروج منها هذه المرة. الشخص الوحيد الذي ما زال قادراً على وقف التدهور هو رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب. في الوقت الراهن، يظهر ترامب اهتماماً محدوداً بما يجري ولا يتخذ خطوات قد تُخرج إسرائيل من المأزق الذي أوقعت نفسها فيه. لم يتبقَّ الكثير من الوقت للإصلاح.

هذه هي المرة الثالثة على التوالي التي يصر فيها رئيس الوزراء على العمل ضد الرأي المهني لرؤساء الأجهزة الأمنية – زمير، ورئيس الموساد دافيد برنيع وبدرجة أقل القائم بأعمال رئيس الشاباك “ش” (حيث أعاد نتنياهو الأسبوع الماضي الجهد لتعيين دافيد زيني رئيساً دائماً للجهاز). القيادة الأمنية أيدت في النقاشات التي جرت في نهاية آب/أغسطس العودة إلى مسار صفقة الأسرى بدلاً من توسيع القتال. معظم القادة عارضوا أيضاً توقيت الضربة الاستثنائية في قطر الأسبوع الماضي، حين فشلت إسرائيل في محاولة اغتيال قياديين في قيادة حماس بالخارج أثناء اجتماعهم لمناقشة المفاوضات حول الأسرى. وقبل ذلك، في آذار/مارس الماضي، قرر نتنياهو نسف صفقة الأسرى التي وُقّعت في كانون الثاني/يناير قبيل تنصيب ترامب رئيساً، والعودة إلى القتال بدلاً من إدارة تفاوض حول المرحلة التالية في الصفقة.

خلال عطلة نهاية الأسبوع، انعقدت مشاورات لرؤساء الكتل المكوِّنة للائتلاف لبحث خطط مواصلة العملية في غزة. هذا منتدى أضيق من المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت)، المخوَّل باتخاذ القرارات الدراماتيكية حول استمرار الحرب، ويشارك فيه أيضاً، بحكم مناصبهم، وزراء لا يرأسون كتلهم. في النقاش، كما في السابق، برز التحالف الوثيق بين رئيس الوزراء وشركائه من أقصى اليمين، الوزيرين إيتمار بن غفير (عوتسما يهوديت) وبتسلئيل سموتريتش (الصهيونية الدينية). وزير الدفاع يسرائيل كاتس يردّد رسائل نتنياهو، لكن رأيه لا يُعتبر ذا وزن يُذكر.

أرييه درعي من شاس لم يحضر هذه المرة. الوزير الوحيد في المنتدى الذي يحذّر باستمرار منذ أسابيع من تبعات توسيع الحرب هو وزير الخارجية جدعون ساعر، الذي ينبّه من العزلة الدولية المتزايدة التي تعيشها إسرائيل ومن خطر تفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، في ظل المحاولة الإسرائيلية لدفع نحو مليون فلسطيني من غزة ومحيطها جنوباً، إلى مخيمات اللاجئين في وسط القطاع وإلى منطقة المواصي. ووفق تقديرات الجيش، حتى الآن لم يفرّ سوى ربع سكان غزة. الظروف في مناطق الإيواء جنوباً تزداد صعوبة مع الاكتظاظ السكاني وغياب الحلول الإنسانية الأساسية.

إلى جانب ساعر، يعبّر زمير عن الصوت الأبرز ضد توسيع الحرب. يبدو أن رئيس الأركان يخشى أنه بمجرد دخول القوات إلى مناطق إضافية، في عمق المناطق المبنية، سيكون من الصعب جداً وقف العملية بسرعة، وستُجرّ إلى الداخل لمواجهة خلايا حرب عصابات نشرها حماس وتتحصن تحت الأرض في الأنفاق وبين أنقاض المباني. الخطة تقضي بإدخال عشرات الآلاف من الجنود، معظمهم من وحدات نظامية. رئيس الأركان يقترح العودة إلى مسار صفقة، تتيح على الأقل إطلاق سراح عشرة أسرى أحياء ونحو نصف جثامين القتلى، في مرحلة أولى. كما ستترك الصفقة هامشاً لشهرين إضافيين من التفاوض، أملاً في استكمالها وإنهاء الحرب. حتى لو فشلت المفاوضات لاحقاً، قال زمير للوزراء، يمكننا العودة إلى القتال.

لا ضمان لسلامة الأسرى
الجيش لا يستطيع ضمان سلامة 20 أسيراً أحياء (من أصل 48 محتجزين لدى حماس)، يُعتقد أن عدداً كبيراً منهم موجود في المنطقة التي أعلنت إسرائيل نيتها السيطرة عليها، في غزة ومحيطها. حماس لمّحت مؤخراً إلى أنها نقلت عمداً أسرى أحياء إلى هذه المنطقة. وإلى جانب خطر إصابتهم عن طريق الخطأ في القصف – إذ لا يتوفر ما يكفي من معلومات استخبارية دقيقة عن أماكنهم – يبرز قلق آخر: لا يمكن استبعاد أن حماس، وهي محشورة في الزاوية، قد تقرر إعدام أسرى إذا دخل الجيش مجدداً إلى قلب غزة. قيادة التنظيم المتبقية في غزة دموية بما يكفي لاتخاذ مثل هذا القرار المتطرف. خلافاً للانطباع الذي حاول مكتب رئيس الوزراء ترسيخه الأسبوع الماضي، فإن ضربة مركّزة (فشلت فعلياً) ضد قيادة حماس في الخارج لم تكن لتؤثر إيجاباً على مسار المفاوضات. على امتداد التفاوض منذ مطلع هذا العام، عبّرت قيادة الداخل المختبئة في الأنفاق عن خط أكثر تشدداً داخل التنظيم، وقادت نهجاً قليل الاستعداد لتقديم تنازلات.

أمام هذه المخاطر، تثير الدهشة اللامبالاة المطلقة التي يظهرها معظم وزراء الحكومة. بتشجيع نتنياهو، خُصص جزء من جلسة الحكومة أمس للتحريض ضد المستشارة القضائية للحكومة ولادعاءات بعض الوزراء بأنهم ضحايا عنف خلال الاحتجاجات. هذا البكاء، حول عطلة نهاية أسبوع لم يُصب فيها سوى مصوّر صحفي مخضرم ضُرب على يد الشرطة، ليس عرضياً. إنه استمرار لمحاولة ربط محاولة اغتيال المؤثر اليميني الأميركي تشارلي كيرك بتضخيم “الخطر” من اليسار في إسرائيل. للأسف، يبدو أنه مقارنة بقلقهم على أنفسهم، حياة الأسرى والجنود لا تهم معظم الوزراء قيد أنملة. لديهم شواغل “أكثر إلحاحاً”، مثل حضور أفراح أعضاء مركز الحزب. فبعد كل شيء، سنة الانتخابات على الأبواب.

نتائج الضربة
الضربة في قطر أدت إلى التقاء صفوف في العالم العربي، أو على الأقل إلى مظاهر تضامن من جيرانها، إزاء ما وصفوه بعمل عدواني وانتهاك للسيادة من جانب إسرائيل. في المنظومة الأمنية الإسرائيلية يعبرون عن قلق من تأثير القصف على القدرة على الاستعانة بالقطريين في مهام الوساطة بالمفاوضات مع حماس. هناك من يشتبه في أن نتنياهو سعى من خلال الضربة لتحقيق هدفين: عرقلة فرصة، ولو ضئيلة، لتحقيق تقدم في المفاوضات، وفي الوقت نفسه إبعاده العلني عن قطر، في ظل كثرة ما كُشف عن علاقات اقتصادية ربطت ثلاثة من مستشاريه بالإمارة الخليجية.

وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الذي وصل أمس إلى إسرائيل، ناقش مع نتنياهو التصريحات الإسرائيلية بشأن نية ضم أجزاء من الضفة الغربية، رداً على خطوة غربية مرتقبة للاعتراف بدولة فلسطينية. الإمارات العربية المتحدة هددت بالفعل إسرائيل بأزمة خطيرة قد تهدد اتفاقات أبراهام إن أقدمت على مثل هذا الإجراء.

التعقيد السياسي يحدث بالتوازي مع مغامرة عسكرية قد تودي بحياة الكثيرين: إلى جانب الأسرى، هناك أيضاً جنود الجيش الإسرائيلي وكثير من المدنيين الفلسطينيين في خطر متزايد. المفتاح الوحيد للخروج من هذا المأزق ربما بيد الرئيس الأميركي ترامب. قد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة: لقد حان وقت الإمساك بردائه.