البدائل المفروضة

خالد قنوت

الاصالة و البعد الوطني لبدايات الثورة الشعبية السورية قبل سرقتها من أيدي ابناء الثورة, جيل التنسيقيات و الحراك السلمي المتصاعد, بعد حوالي سنتين من قيامها و تسلط التطرف و السلاح و المرتزقة بالتوازي مع عنف النظام المجرم كل ذلك لا يمكن أن يُمحى من الذاكرة الوطنية السورية و يجب أن لا يمحى.
سُحقت الثورة بالحديد و النار, لكنها جمراتها بقيت تحت رماد المدن و البلدات المدمرة و في ضمائر الاحرار و ستبقى الضمان لديمومتها حتى تحقيق الاهداف الاولى في بناء دولة وطنية سورية عادلة – دولة مواطنة لكل مواطنيها على كامل ترابها الوطني.
مسارات فُرضت على مجرى الاحداث في سورية منذ 2011 و بعد 2013 تحديداً, مرورا بتدخل عسكري امريكي مباشر 2014 ثم تدخل عسكري روسي 2015 مع تصاعد هيمنة ايرانية بقيادة قاسم سليماني منذ بداية 2011 و السقوط الكبير و الحتمي لنظام العار الأسدي اواخر 2024 رغم كل الجهود لتعويمه من جديد و حتى وصول منظمة ارهابية مصنفة عالمياً إلى رأس السلطة في دمشق المتعبة و الجريحة, كل ذلك لا يخرج عن تلك المسارات المفروضة, قيد أنمة.
بالأمس و في نقاش متلفز على محطة أمريكية, علق خبير سياسي أمريكي أن دول منطقة الشرق الأوسط أمام فترة تغيرات جيوستراتيجية بناءً على دراسات علمية و اسقاطات للتجربة الاوربية قبل عصر النهضة وصولاً لبناء دولها الوطنية بعد اسقاط المسيحية السياسية عن طريق الثورات العنفية و تقيد سلطات الكنيسة من أجل اطلاق الحريات و البدء بالنهضة الصناعية و الاقتصادية و المجتمعية.
ما أريد أن أبني عليه هنا من خلال نموذج التفكير الاوربي – الامريكي في رسم سياسات منطقتنا و بالخصوص وطننا السوري لا يختلف بالشكل العام مع خصوصيات يعرفها صانع القرار الغربي, و عليه فإن سقوط الدكتاتورية العسكرية الأسدية لا يخرج عن هذا السياق و بالمثل وصول الاسلام السياسي الأكثر تطرفاً إلى دمشق بهذا الشكل الانسيابي تحت توافق أمركي تركي اسرائيلي و من ثم روسي (حسب تصريحات السيد أحمد الشرع) حيث يقدم للشعب السوري بكل مكوناته و ربما لشعوب المنطقة, كل مسوغات تحقيق المشروع النمطي للمسار الاوربي الغربي في تطور الأحداث في سورية و المنطقة.
لم يكن فتح طريق دمشق لهيئة تحرير الشام و قائدها أبو محمد الجولاني, و حسب نمطية التفكير الغربي السياسي تلك, سوى تأطير و اسقاط لها على واقعنا.
كان لا بد أن يصل الفصيل الأكثر تطرفاً و الأكثر امكانية للفشل لحكم دولة و محاولته لممارسة لعب دور السلطة و الدولة و الامارة بنفس الوقت على السوريين ليوم يكون سقوطه الحر إذاناً ببدء تحول منطقي و حتمي لوصول سلطة جديدة كانت في السابق خارج حسابات السوريين لكنها ستكون الحل و الخلاص لسورية من حكم التطرف السلفي الجهادي الذي يحمل كل اسباب الفشل.
كان للاسلام السياسي الأقل تطرفاً المتمثل بالاخوان المسلمين فرصة الوصول للحكم خلال سنوات الثورة و لكن فشلت بحكم طبيعة تفكرهم السياسي المنغلق و الاقصائي و المحكوم عليه بالفشل أيضاً, بنيوياً, في بلد بطبيعة سورية الديموغرافية.
الفكرة هنا أن سورية أمام سيناريو تحول سياسي قادم ربما لن يكون بعيداً و ربما يطول حسب ما تقدمه سلطة السيد أحمد الشرع من خطوات لتنفيذ متطلبات دولية و اقليمية عرفها جداً منذ أن بدأت خطوات تحضيريه للوصول لدمشق, و للأسف ستكون بمثابة تنازل عن حقوق و مصالح وطنية سورية سندفع ثمنها غالياً.
قد يكون ما يُطرح هذه الفترة هو جملة من البدائل و لكن علينا أن ندرك أن الفعل الثوري السوري في أدنى اشكاله الموضوعية و أن السوريين مازالوا في حالة ذاتية متباينة بين التهليل للسلطة الحالية و بين رفض تام لها تحت وطأة وضع اقتصادي هزيل و وعود فارغة ستنفجر لاحقاً سلباً على الوضع الامني الهش أصلاً.
البديل الذي قد يكون الأكثر جدية هو مبادرة السيد مناف طلاس كونه بديلاً عسكرياً له صبغة سياسية و له عمق و دعم اوربي و تحديداً فرنسي و قبول خليجي سيتضح مع موقف سعودي محتمل و رضى تركي و الأهم الموافقة الأمريكية عندما يصبح دور سلطة الشرع في مراحله الأخيرة, بالتأكيد الحديث هنا عن سيناريو ليس بالمنطق هو السيناريو وحيد.
السيد مناف ابن وزير الدفاع التاريخي لسورية الأسد و هذه نقطة ليست لصالحه أمام السوريين و لكن هو ابن الشام و تدرج بصفوف المؤسسة العسكرية منذ ايام سيطرة باسل الأسد خلال فترة إعداده قبل مقتله و لكنه و إن كان ضابط في الحرس الجمهوري لكنه لم يكن بذات الأهمية لضباط يرتبطون بالولاء التام و الطائفي لعائلة الأسد.
أحد اصدقائي كان مرافق للسيد مناف طلاس عندما كان برتبة نقيب كان يتحدث بحماس شديد عن رحلات الصيد التي كان يقوم بها السيد مناف بعيداً عن العمل العسكري الميداني و المكتبي.
ببداية الثورة, الجميع تابع تدخلات السيد مناف طلاس و كان برتبة عميد لتخفيف التوترات و محاولة تهدئة الاوضاع التي كانت تتجه نحو الحدود القصوى من العنف و سلسة الاجتماعات التي كان يحضرها في مناطق التوتر.
في اجتماع مع الأهالي في مدينة دوما قبل سيطرة جيش الاسلام بقيادة زهران علوش عليها عسكرياً, كان السيد مناف يحاول التعامل مع مطالب الكوادر الثورية و مع الاهالي و عندما وقف أحد الحاضرين و توجه للسيد مناف قائلاً: “سنسقط هذا النظام بالصرماية” ربما عرف السيد مناف أن من المستحيل أن يستمر هذا النظام و ربما قرر لاحقاً الانشقاق عنه مع ارتفاع مستويات الدم و الدمار التي لا يوجد أي اثبات على مشاركته بها.
كل ما ذكرته هو نقاط متناقضة في مسيرة السيد مناف الحياتية كشاب ابن وزير الدفاع (مع أن ابن أصغر ضابط كان يملك مزايا لا يملكها ابناء الشعب السوري ذاك الزمن) ثم كضابط مقرب من عائلة الأسد و من ورثة نظام الطاغية الأب يفترض أنه كان يمثل ثقلاً ما في الجيش و لكن حسب معلوماتي أنه لم يمتلكها لشكوك النظام في انتمائه الطائفي التام.
أعتقد, أن السيناريو القادم لدور مجموعة السيد مناف طلاس العسكرية التي كان يعمل عليها خلال الثورة من الضباط و العناصر المنشقة عن جيش الاسد و حتى بعض الضباط الذين بقوا في الجيش حتى سقوط النظام مع بعض التحالفات القادمة مع فصائل عسكرية رافضة لسلطة هيئة تحرير الشام و أهمها فصائل المنطقة الشرقية العسكرية و السياسية (قسد و مسد) و الجنوبية (جبل العرب و حوران) و ربما بعض الفصائل التي يعاد تشكيلها في الساحل إضافة لتشكيلات عسكرية في منطقة حمص الرستن (خاصة لضباط من عائلة طلاس) و أخرى في أهم المدن السورية و هما دمشق و حلب, كل هؤلاء سيجمعهم رفض سلطة سلفية فاشلة و محاولة استعادة بناء دولة سورية جديدة مقبولة من السوريين على كامل مساحة الوطن و بالتأكيد سيجمعهم حبهم للحصول على مكاسب السلطة التي اغتصبت ايام الأسد و تُغتصب كل يوم من شخصيات لا يُعرف عن معظمهم اي معلومة في سلطة المشايخ الحالية.
البدائل المفروضة و كل سيناريوهاتها ستضح بأوقات قياسية, فالدول تريد تثبيت حصصها في الوطن السوري على حساب شعب منقسم و ممزق افقياً و عمودياً بشكل غير مسبوق و وضع اقتصادي لا يحتمل فقاعات المشاريع الافتراضية لسلطة جاهلة لا تشارك السوريين عملية بناء دولتهم, على أمل أن يخرج من جمرات رحم الثورة بديل وطني سوري يقبله الشعب السوري و يدعمه قدر استطاعته, فقط عند اقتناعه بأن أي بديل مفروض هو بديل بعيد عن حلمه الوطني و عن شعارات ثورته و أنه بديل محكوم, إلى حد ما, بأن يكون خشبة الاستبداد الجديد الذي سصلب عليها السوريين من جديد.