ما زالت العواصف التنظيمية والسياسية تعصف داخل بنية حزب الله العاجزة قيادته عن التعامل مع ملفات شائكة تتطلب واقعية ومظلة تحالفية عربية تبدأ من السعودية لتقوية سلطة الدولة اللبنانية.
بدون سابق إنذار، ألقى نعيم قاسم، الأمين العام بالوكالة لمليشيا حزب الله اللبناني، عبر خطابه اقتراحًا بفتح صفحة جديدة مع المملكة العربية السعودية تؤدي إلى حوار قائم على تنحية الإشكاليات وتجميد الخلافات التي مرت في الماضي، خاصة في ظل هذه المرحلة الاستثنائية – حسب وصفه – من أجل إدارة المواجهة مع إسرائيل ولجمها بإنشاء جبهة موحدة في وجهها. مؤكدًا أن سلاح الحزب وجهته إسرائيل، وليس لبنان ولا السعودية ولا أي مكان أو جهة في العالم.
يدور نقاش محتدم ومكتوم داخل أوساط الحزب في الآونة الأخيرة حول واقعه، وانعكاس مآلات الصراع على انهيار قوة صفوفه التنظيمية وتراجع مكانته في المعادلة السياسية الداخلية اللبنانية، مما أفضى إلى تنامي ضغوط سياسية من قبل المجتمع الدولي على حكومة نواف سلام لإقرار مسار وخطة الجيش اللبناني لسحب سلاح المليشيات والفصائل وحصره بيد الجيش وقوى الأمن. نتائج المراجعات الداخلية في الحزب ذهبت باتجاه عنوان واحد فقط: ضرورة الاستفادة من نمو درجات التفاهم الإيراني–السعودي، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية–الإيرانية، عبر مد جسور التواصل مع بعض الدول العربية الموازنة في المنطقة وذات الثقل الدبلوماسي على الساحة السياسية الدولية، في محاولة لتجاوز عقدة الحزب في الداخل اللبناني؛ الذي ما زال يستبقي على نبرة استعلائية لتمرير خطاب سياسي وإعلامي يرضي قواعده اللاهثة وراء سماع لغة التهديدات بحرب أهلية، لإحياء ظل مفقود لأمين حزبهم السابق.
لا شك أن إبداء حزب الله استعداده، سواء بالتصالح مع الداخل اللبناني أو فتح حوار مع السعودية، لا يتناسب مع إطلالات نعيم قاسم الذي دعا في إحداها إلى معركة “كربلائية” لمواجهة قرار سحب سلاحه، ولا ينسجم مع استمرار الخطوط الطائفية التحريضية المغلفة بتوصيفات سياسية لم تبتعد يومًا عن نطاق الفكر المليشياوي التابع لفلك النظام الإيراني ضد المملكة.
ما زالت العواصف التنظيمية أولًا، والسياسية ثانيًا، تعصف داخل بنية حزب الله، العاجزة قيادته عن التعامل مع ملفات شائكة تتطلب الكثير من المقاربات التي تتسم بالواقعية، والمستندة إلى تشكيل مظلة تحالفية عربية جديدة تبدأ من المملكة العربية السعودية، القادرة على منح حزب الله مكانة وجودية في معادلة تقوية سلطة الدولة اللبنانية. فالحزب يدرك أن الاستمرار في الانخراط، أو بأقل درجة التماهي، مع الأجندات الإيرانية المصطدمة مع الترتيبات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، يتطلب موازنة سياسية سعودية تدفع بالقوة نحو الدولة الوطنية ضمن مثلث السيادة والأمن والاستقرار، لإنهاء حالة الصدام بين مشروعين متصارعين على أرض لبنان.
المعطيات تدلل على قراءة سعودية لمحاولة “فهلوة” حزب الله للهروب والالتفاف عن محاولات تقويضه في الداخل اللبناني، وهو ما سيصطدم بجدار مثالية سياسات المملكة، الساعية مع أطراف المجتمع الدولي إلى خلق وتهيئة مناخ يرسم شرق أوسط جديد وفق مصالح شعوبه، لا وفق طموحات وأهواء أنظمة وحكومات ومليشيات.
العرب اللندنية