يعقوب كوهين: التطبيع مؤامرة صهيونية

السياسي – تحولت غزة إلى مدينة الموت، حيث وضع الجيش الصهيوني كل أجهزته العسكرية في مقابل مدنيين عزل، يفتك كل يوم بالعشرات منهم، في محاولة أخيرة لتهجيرهم قسرا. وفي مسار مواز يتهيأ شياطين الكيان لاقتسام أراضي المدينة بينهم وبين القراصنة الأمريكان. فهل بعد هذا الرعب والخسة يمكن الحديث عن إمكانية التطبيع مع هؤلاء القتلة واللصوص؟

في هذا السياق اطلعت على حوار بالفرنسية، ذكّرني صاحبه بما كان يردده منذ سنوات قبل وفاة الصديق جورج عدة، الذي كان من اليهود التقدميين في تونس. هذا الحوار لأستاذ العلوم السياسية في جامعة مراكش يعقوب كوهين، الكاتب اليهودي المغربي المعروف. سئل كوهين عن موقفه من سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني، فكان رأيه كما يلي:

“ليعلم المطبعون بأن علاقتهم بإسرائيل تعني التخلي عن إقامة الدولة الفلسطينية، خاصة في ظل الظروف الراهنة”. فالتطبيع من وجهة نظره، يؤدي بالضرورة إلى “خضوع العالم العربي لإسرائيل، التي ستملي القانون على الجميع. مثلا بالنسبة لشراء الأسلحة لن يحصل العرب على سلاح يكون متساويا أو أكثر تطورا من ذلك الذي تملكه إسرائيل. ويعلم الجميع أنه مع التكنولوجيا الحديثة يمكن تعطيل أي برنامج عن بعد مثل الطائرات إف 35 الذي تحرص على شرائها كل من السعودية والمغرب. فالعرب يدفعون مبالغ ضخمة من أجل كسب ثقة أمريكا وإسرائيل، وهو أمر يدعو إلى السخرية. ومن بين ما طلبته السعودية الحصول على محطة نووية سلمية بشرط ألا تقصفها إسرائيل”.

كما أن من بين تداعيات التطبيع هو “تثبيت ما يعتقده الصهاينة بكونهم قادة العالم بما في ذلك السيطرة على منطقة الشرق الأوسط. هذا يعني أن الحمض النووي (DNA) الصهيوني لا يصنع السلام، فالصهيونية والسلام مفهومان متناقضان لا يلتقيان. فالصهاينة يعتقدون بكونهم أصحاب الإمبراطورية التي يحق لها أن تفرض شروطها على الجميع، وعلى البقية الخضوع لإرادتها”. وهذا الاعتقاد من شأنه أن “يشعرها بكونها القوة التي لا تهزم. وإذا أزعجتهم السعودية على سبيل المثال، يمكنهم تقسيمها حسب اعتقادهم. كذلك الشأن بالنسبة لمصر. فالقوة توحي لأصحابها بأفكار مجنونة. هذا يعني أن سياسة التطبيع بدل أن تحد من التطرف الصهيوني، تؤدي إلى العكس تماما حيث تزيد من خطورتها، لأن الصهيونية لا تنمو ولا تتوسع إلا إذا كانت في سياق الغزو والصراع المستمر”.

يعبر كوهين عن أسفه لأنه لم تتم الاستجابة للدعوات التي وجهها إلى الدول العربية من أجل إنشاء مراكز بحث مختصة في دراسة الصهيونية، “فالعرب عليهم معرفة عدوهم، إذ بذلك يمكنهم حسن التصرف مع هذا النظام. فأنا أتوقع بأن التطبيع الشامل سيحصل، لكنه سيوهم أصحابه بحصول استقرار ما، في حين أنه سيوفر فرصة لتحقيق الهيمنة الإسرائيلية المطلقة على العالم العربي، وفي المقابل ستشعل النيران تحت أقدام الصهاينة”.

يعتقد كوهين بأن السياسات الأمريكية تمليها الحركة الصهيونية، ويرى أن ما حصل في العراق وفي ليبيا هو جزء من مخطط إسرائيلي يهدف إلى تفكيك الدول القومية، ويؤمن بوجود مخطط وضع لهذا الغرض منذ سنة 1982. وهو إذ يقر بأن ما تم يخدم مصالح الإسرائيليين، لكنه يؤكد على أن “مشكلة الإمبراطوريات لا تدرك التداعيات التي ستعترضها في الطريق. يعتقد الإسرائيليون بكونهم الأقوى، وأنهم يتحكمون في أمريكا، وأنهم عن طريقها يمارسون مختلف الضغوط على البلدان التي يمكن أن تزعجهم، لهذا اختاروا اسما رنانا لسياسة التطبيع وهو “اتفاقيات أبراهام” من أجل إظهار رغبتهم في السلام. لكن الأنظمة التي وقعت على تلك الاتفاقيات فعلت ذلك ورقابها تحت السكين، أما الشعوب فقد بقيت رافضة. وما قامت به أمريكا في هذا السياق، فعلته من أجل إسرائيل، فترامب لم يكن راغبا في استمرار الحرب مع إيران، لكن اللوبي الصهيوني دفعه دفعا نحو المواجهة. وكان هدف الإسرائيليين هو إرباك الإيرانيين وكسر شبكات القيادة لديهم، وتوقعوا أن يحدثوا الفراغ على مستوى النظام، وهو ما من شأنه أن يفتح الباب أمام تغيير أعمق سواء عن طريق حدوث انقلاب أو اندلاع ثورة شعبية، لكن هذا السيناريو لم ينجح بفضل الصف الثاني من القيادات المتحكمة في المعلومات والاستخبارات. وهو ما دفع الإسرائيليين نحو السعي لإقناع القيادة الأمريكية بضرورة وقف إطلاق النار، فهم شعروا بأن كل يوم يمر سيكون على حساب المجتمع الإسرائيلي”.

وعبر كوهين عن أسفه لأن إيران استجابت للضغوط الأمريكية، ولم تواصل الحرب بضعة أيام أخرى. “ومشكلة الإسرائيليين كونهم لا يستخلصون الدروس من كل المآسي التي تحصل لهم. وطالما شبهتُ الحالة الإسرائيلية بذلك المجنون الذي يقود قطارا دون أن يضع قدمه على الفرامل، وبذلك ويواصل السير نحو تدمير كيانه في نهاية المطاف، دون أن يملك القدرة على تغيير اتجاهه”.

يعتقد كوهين بأن الجزائر وتونس “هما البلدان اللذان يرفضان سياسة التطبيع في غياب قيام دولة فلسطينية، وذلك وفق قرار جامعة الدول العربية في اجتماعها لسنة 1982، لهذا تستمر الضغوط الأمريكية عليهما حتى الآن. ويدرك الأمريكان كونهم لن يصلوا إلى نتيجة لأن الجزائر لها تاريخها وأيديولوجيتها، ولن تخضع لمثل هذا الابتزاز. وإذا أخذنا بعين الاعتبار موريتانيا التي لا أستبعد انخراطها في التطبيع، سنلاحظ الهلال الذي تم وضعه حاليا حول الجزائر بسبب موقفها من التطبيع”.

هذه شهادة أخرى تؤكد بوضوح ما يحاك للعالم العربي من مخاطر لا يعلم مداها إلا الله.

-صلاح الدين الجورشي