اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين: انتصار للشرعية وتحرّك لخيارات ضغط فعّال…!

بقلم: د. عبد الرحيم جاموس

مثل قرار المملكة المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة وذات السيادة نقطة تحولٍ ذات دلالة مزدوجة: رمزية تاريخية وسياسة عملية تقوّي فرص تنفيذ حل الدولتين.
الإعلان البريطاني الذي جاء بالتزامن مع خطوات مماثلة من دول غربية أخرى ، لا يقتصر على لفظٍ دبلوماسي فقط، بل يوسّع من هامش التحرك الدولي لصالح فلسطين ويضع قواعدٍ جديدة للتعامل مع واقع الاحتلال.
أولاً، ثقل بريطانيا ورمزيتها التاريخية تعطي للاعتراف بعدًا استثنائيًا: إن هذه الدولة التي ارتبطت بتاريخها بالقرار البريطاني (وعد بلفور) باتت اليوم تعترف بحق الفلسطينيين في دولتهم ، تطوُّر يقرأه كثيرون على أنه تصحيح لزمنٍ مضى وافتتاح لمرحلة سياسية جديدة.
هذه الإشارة التاريخية لا تقلّ أهمية عن مضمون القرار، إذ تضيف له مسوّغًا أخلاقيًا وسياسيًا على السواء.
ثانيًا، الاعتراف البريطاني يُترجَم فورًا إلى قيمة قانونية وسياسية: فمع تزايد أعداد الدول المعترفة ستتوسّع الشرعية الدولية لدولة فلسطين، ويصبح من الصعب على أي قوة عالمية مهما بلغت ، أن تُعطل المسار الدولي دون دفع ثمن دبلوماسي وسياسي متصاعد.
كما أن هذا التراكم يقوّي الموقف الفلسطيني في المحافل الدولية ويُسهِم في خلق قاعدة لطلبات تنفيذية متعلقة بإنهاء الاحتلال وتعويض المتضررين ، وإحالة ملفات الإنتهاكات إلى مؤسسات العدالة الدولية.
ثالثًا، من الجانب العملي والسياسي، يسمح التوسع في الاعترافات للدول التي تحترم القانون الدولي باتخاذ مجموعة إجراءات رادعة ضد سياسات الضم والتهجير والتهويد وبناء المستوطنات والمصادرة المنهجية للأراضي.
هذه الإجراءات يمكن أن تشمل حزمًا من التدابير: عقوبات اقتصادية مستهدفة، حظر تصدير و استيراد أسلحة و أي تقنية تستخدم في المصادرة والتطهير السكاني، إجراءات دبلوماسية (خفض مستوى التمثيل أو تجميد اتفاقيات ثنائية)، وقيود مالية على كياناتّ متورطة في الاستيطان والمصادرة ، كل ذلك ضمن إطار قانوني ودولي مدعوم بتصويتات وبرلمانات ودعوات مدنية ، مثل هذه الإمكانات تزداد واقعية كلما اتسعت قاعدة الاعترافات.
رابعًا، اعتراف بريطانيا لا يقرأ فقط كعارض دعم بل كرسمٍ لحدٍ دبلوماسي يزايد على مواقف متعاطفة مع السياسة الإسرائيلية أحادية الجانب ، وبخاصة الموقف الأميركي التقليدي المساند لإسرائيل. محاولات إجهاض المسار الدولي عبر فيتوات أو ضغوط سياسية ستجد نفسها معزولة مع تزايد الاعترافات، والمآل المنطقي لذلك هو تآكل قدرة الحماية المطلقة عن سياسات الاحتلال أمام إرادة دولية متنامية.
الردود الإسرائيلية القاسية المتوقعة (والتي ظهرت فورًا في تصريحات رسمية مندّدة) لن تمثل خيارًا سياسيًا بديلاً عن مقاربة تستند إلى الامتثال لقرارات الشرعية الدولية.
أخيرًا، إنّ استقبال الرئيس محمود عباس لرسالة رئيس الوزراء البريطاني وتقديره لهذه الخطوة يضعان الاعتراف في خانة الشراكة السياسية ، والتفاهم المتبادل حول خطوات لاحقة لإرساء دولة فلسطينية قادرة على حكم ذاتي فعلي وبناء مؤسساتٍ ديمقراطية مستقلة؛ وهو ما ينبغي أن تُترجَمَهُ الدبلوماسية الفلسطينية إلى برنامج عمل واضح يطالب بتحويل القواعد الجديدة للشرعية إلى آليات ملموسة لحماية المواطنين وإجبار الاحتلال على الانسحاب ووقف سياسات المصادرة والتهجير.
ختامًا إن اعتراف بريطانيا بدولة فلسطين ليس خاتمة المطاف ، بل يمثلُ بداية لمرحلة ضغط دولي مُنظّم يمكن أن تُحَوِّل الاعترافات إلى أدوات فعّالة لوقف المسار التوسعي للاحتلال وإنهاء الانتهاكات.
أمام إسرائيل اليوم خياران: إما الانخراط الجاد في مفاوضات تؤدي إلى دولة فلسطينية حرة، أو مواجهة عزلة دولية متزايدة تتشظّى داخلها المصالح والشرعية.
أما على الفلسطينيين فالمطلوب استثمار هذا التعاطف الدولي ، و الإعترافات الدولية، في برنامجٍ سياسي وقانوني موحّد يترجمه دعم ملموس على الأرض ، وخاصة المبادرة إلى إنهاء حالة الانقسام الداخلي وتوحيد النظام السياسي الفلسطيني.
د.عبدالرحيم جاموس