صحوة الضمير العالمي والاعتراف بدولة فلسطين

بقلم: عمران الخطيب

في خطوة تُعدّ إنجازًا تاريخيًا، انعقد المؤتمر الدولي في مقرّ الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين، في حدث طال انتظاره لما يزيد عن 77 عامًا. ورغم أن هذا الاعتراف يُعتبر استحقاقًا أمميًا تأخّر طويلًا، إلا أن انعقاده في الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2025، يُشكّل محطة مفصلية في مسيرة الشعب الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال.

من المهم الإشارة إلى الدور المحوري الذي لعبته المملكة العربية السعودية، التي تقود اللجنة العربية السادسة المنبثقة عن القمة العربية والإسلامية التي انطلقت من الرياض. وقد نتج عن ذلك حراك دبلوماسي نشِط تمثّل في محور سعودي-فرنسي، تبلور في التحضيرات لانعقاد المؤتمر في نيويورك، ليُتوَّج بالنجاح في هذه الدورة الأممية.

الاعتراف الدولي بدولة فلسطين من قِبل دول كبرى مثل: فرنسا، بريطانيا، أستراليا، فنلندا، مالطا، كندا، وعدد من دول أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، لم يكن حدثًا عابرًا، بل مثّل نقطة تحوّل حاسمة نحو تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية، على حدود الرابع من حزيران عام 1967.

هذا الاعتراف جاء نتيجة نضالٍ تراكمي طويل قدّمه الشعب الفلسطيني، الذي لا يزال يدفع الثمن شهداءً وجرحى وأسرى في سجون الاحتلال، في مواجهة سياسات القمع والعدوان الإسرائيلي المتواصل، وخاصة في قطاع غزة الذي شهد خلال العامين الماضيين أبشع أشكال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

ورغم الدعم الأمريكي المستمر لإسرائيل، فإن شعوب العالم، ومن خلالها حكومات كثيرة، بدأت تتفاعل مع حجم المأساة الفلسطينية، ما شكّل حالة ضغط دولية متزايدة على صُنّاع القرار العالمي. وقد عبّر العديد من قادة العالم في المؤتمر عن قناعتهم بأن الاعتراف بدولة فلسطين قد تأخر لما يقارب 78 عامًا، منذ صدور قرار التقسيم الأممي عام 1947.

ومع أهمية الاعتراف الدولي، إلا أن المؤتمر لم يخْلُ من الجدل. فقد حمّل العديد من ممثلي الوفود الدولية حركة حماس مسؤولية أحداث 7 أكتوبر، ورفضوا أن تكون جزءًا من النظام السياسي الفلسطيني القادم. كما أن الدول العربية والإسلامية لم تُبدِ دعمًا رسميًا لما جرى في “طوفان الأقصى”، معتبرةً أن الساحة الفلسطينية بحاجة إلى قيادة موحّدة تحت مظلة الشرعية الدولية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في خطابه أمام المؤتمر والدورة 80 للجمعية العامة، أكّد على ضرورة التعامل مع فلسطين كـ “دولة” ضمن المنظومة الدولية، وليس كتنظيم أو فصيل. وذكّر الحضور بخطاب الرئيس الراحل ياسر عرفات في الأمم المتحدة قبل 51 عامًا، حين قال: “جئتكم حاملاً غصن الزيتون بيد، وبندقية الثائر باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.”

اليوم نحن في مرحلة جديدة، تتطلب من الفلسطينيين تجاوز جلد الذات، ووقف توجيه الانتقادات غير البنّاءة للقيادة الفلسطينية، أياً كانت، خصوصًا من أولئك الذين يتجنّبون انتقاد أنظمتهم أو الجهات التي تموّلهم، ويجدون في السلطة الفلسطينية الحلقة الأضعف.

في المقابل، فإن حركة حماس مطالَبة باتخاذ قرارات مسؤولة تؤدي إلى وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وإفشال مخططات حكومة نتنياهو التي تهدف إلى تدمير القطاع وتهجير سكانه، وضمّ الضفة الغربية. بل إن مصلحة الشعب الفلسطيني تستدعي اليوم خروج حماس من المشهد السياسي، وتسليم المحتجزين الإسرائيليين إلى مصر، وتفويض مصر وقطر بإدارة ملف المفاوضات، لإسقاط مخطط التهجير وإنقاذ غزة.

ويجب التذكير بأن من أبرز أسباب الكارثة الحالية في الوضع الفلسطيني، كان الانقلاب الدموي الذي نفّذته حماس في غزة عام 2007، ورفضها الاستجابة لمبادرات الحوار الوطني، بما في ذلك مبادرة الجزائر التي قُدمت العام الماضي، والتي رفضت فيها حماس الالتزام بقرارات الشرعية الدولية.

واليوم، في مفارقة واضحة، تقبل حماس هدنة مؤقتة لمدة 60 يومًا، وتتفاوض على مساحة محدودة في قطاع غزة، بعدما أفشلت كل محاولات بناء وحدة وطنية فلسطينية.

إنّ الاعتراف بدولة فلسطين لا يعني نهاية المعركة، بل بداية لمرحلة جديدة من النضال السياسي والدبلوماسي، تتطلب وحدة وطنية حقيقية، وقيادة فلسطينية مسؤولة، قادرة على إدارة الدولة ومؤسساتها وفق قواعد القانون الدولي ومبادئ الشرعية.

عمران الخطيب
Omranalkhateeb4@gmail.com