قراءة إمبريقية في مقامات النفس عند محي الدين ابن عربي:

بقلم : عماد خالد رحمة _ برلين.

تُشكّل مقامات النفس عند محيي الدين ابن عربي نموذجًا غنيًا لفهم التحولات الداخلية للإنسان في رحلته الروحية، إذ يمكن قراءتها منن منظور تجريبي يُركّز على الملاحظة الدقيقة لتفاعلات النفس مع الخبرة الصوفية والمعرفة الذاتية. فالوعي النفسي، كما يرصده ابن عربي، ليس مجرد مفهوم نظري، بل تجربة محسوسة يمكن تتبّع مراحلها عبر مشاعر الجهاد الداخلي، واللوم الذاتي، والرضا بالقدر، وصولًا إلى إحساس بالكمال والتكامل الوجودي. ومن خلال دراسة هذه المقامات على نحو منهجي، يمكن استنباط نماذج لتدرّج الوعي الإنساني، وتحليل تأثيراتها على السلوك، والعاطفة، والإدراك الروحي. في هذا الإطار، تبدو مقامات النفس بمثابة خرائط عملية للنفس البشرية، يمكن اختبار أثر كل مقام على مستوى إدراك الفرد وسلوكه، ما يجعل قراءة ابن عربي إمبريقية بالقدر الذي تعتمد فيه على الملاحظة الدقيقة للتجربة الذاتية والتحولات النفسية للإنسان.
مقامات النفس عند محيي الدين ابن عربي تمثّل إحدى الركائز الأساسية في تجربته الصوفية وفلسفته الروحية، حيث يرى أنّ السير إلى الله لا يتم إلا عبر مجاهدة النفس وتهذيبها وانتقالها من حال إلى حال، حتى تنقلب من حجاب إلى جسر، ومن عائق إلى وسيلة للوصال.
أهم المقامات كما يطرحها ابن عربي:
1. النفس الأمّارة بالسوء:
هي أولى مراتب النفس، مشبّعة بالشهوات، مائلة إلى الهوى، آخذة الإنسان نحو السفول. وهي الموضع الأول للجهاد الأكبر عند الصوفي، حيث يبدأ السالك بمحاسبتها وتقييد نزواتها.
2. النفس اللوّامة:
هي التي تلوم صاحبها على تقصيره وتذكّره بالخير إذا غفل. وهي بداية الانتقال من الانغماس في الهوى إلى لحظة الوعي، حيث يولد الشعور بالذنب فيتجه القلب نحو التوبة.
3. النفس الملهمة:
هنا تتفتح البصيرة على إشراقات إلهية، فيُلهم العبد الخير ويُعرّف بمكائد الشر. إنها مرحلة يتذوق فيها السالك نور الهداية، ويشعر أن أنفاسه مشدودة بالرحمة.
4. النفس المطمئنة:
في هذا المقام تهدأ النفس وتستكين لذكر الله، فلا تضطرب بالشهوة ولا تقلق بالهوى. هي النفس التي يُقال لها في القرآن: “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً.”
5. النفس الراضية:
ترتقي النفس هنا إلى مقام الرضا، فلا تعترض على قدر الله، بل تنظر بعين التسليم. الرضا عند ابن عربي هو انسجام باطن الإنسان مع الحقيقة الإلهية.
6. النفس المرضيّة:
في هذا المقام يُرضي الله عن النفس بعد أن رضيت هي عنه، فتصير محلاً للعناية الإلهية، وتلبس حُلّة القبول، ويصبح السالك موضع تجلّيات الحق.
7. النفس الكاملة:
وهي غاية السير الصوفي، حيث تتحد مقامات النفس في كمالها، فيصبح الإنسان “إنسانًا كاملاً”، مظهرًا لأسماء الله وصفاته. يرى ابن عربي أن هذه المرتبة هي المقام المحمدي الذي يُستمد منه الكمال الوجودي والمعرفي.
خلاصة:
مقامات النفس عند ابن عربي ليست محطات جامدة، بل هي حركات تحول داخلي، يتجاوز فيها السالك من عبودية الهوى إلى عبودية الله، ومن غشاوة الكثرة إلى صفاء الوحدة. إنها رحلة من التسافل إلى التجلّي، ومن التفرّق إلى الكمال، حتى يصير الإنسان مرآةً يعكس النور الإلهي