في ظلّ حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة، وتفاقم المأساة الإنسانية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني محاصرين بين نار القصف ووطأة الجوع والقتل والدمار، تتكثف المساعي الإقليمية والدولية لفرض وقف لإطلاق النار وفتح باب إعادة الإعمار.
وفي هذا السياق، قدّم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مقترحاً جديداً، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بياناً رسمياً تعلن فيه موقفها مساء 3/10/2025 م ، بعد مشاورات داخلية وخارجية واسعة حسب نص البيان .
.البيان حمل لغة مختلفة، ومؤشرات سياسية تعكس قدراً من الاستجابة المضبوطة لمقتضيات المرحلة.
لم يكن غريباً أن يحمِل البيان لغةً أقل حدّة من سابقيه؛ فالحرب المستمرة على غزة وما أفرزته من كوارث إنسانية وضغوط سياسية دفعت الحركة إلى إظهار قدر أكبر من المرونة.
وقد بدا أن القيادة تسعى لتقديم نفسها باعتبارها طرفاً مسؤولاً، يوازن بين التمسك بالثوابت الوطنية وبين ضرورات إنهاء الحرب وإنقاذ .
أبرز ما ورد في البيان هو إعلان الحركة موافقتها على الإفراج عن جميع أسرى الاحتلال أحياءً وجثامين، وفق صيغة التبادل التي طرحها ترامب، مع الاستعداد الفوري لبدء مفاوضات عبر الوسطاء ، هذه النقطة تحديداً تُعتبر استجابة صريحة لما كان مطلوباً من الحركة على مدار سنوات الحرب.
كما وافقت حماس على تسليم إدارة قطاع غزة إلى هيئة فلسطينية من المستقلين (تكنوقراط) تقوم على التوافق الوطني وتحظى بالدعم العربي والإسلامي، وهو مطلب لطالما شكّل جوهر الجهود العربية والدولية الهادفة إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني وفتح باب إعادة الإعمار.
ورغم هذه الاستجابة، أبقت الحركة على مسافة تحفظ في ما يخص القضايا النهائية المتعلقة بمستقبل غزة وحقوق الشعب الفلسطيني، معتبرة أن تلك الملفات يجب أن تُناقَش في إطار وطني جامع، وعلى قاعدة القرارات الدولية ذات الصلة ، وبذلك تحاول حماس أن توازن بين التكيف مع متطلبات الواقع وبين الحفاظ على خطابها التقليدي حول الثوابت الوطنية.
بالنسبة لواشنطن وتل أبيب: يمثل البيان خطوة أولى نحو إدماج حماس في مسار تفاوضي أكثر انضباطاً.
بالنسبة للعواصم العربية: يتوافق الموقف مع المبادرات المصرية والقطرية والسعودية، ويُسهل فتح الطريق لإعادة الإعمار.
بالنسبة للساحة الفلسطينية الداخلية: يفتح المجال أمام شراكة وطنية جديدة تُخفّف من أعباء الانفراد بالقطاع.
خلاصة :
يُظهر البيان الأخير أن حماس، تحت وطأة حرب الإبادة والضغط الدولي، باتت أكثر استعداداً للاستجابة لما هو مطلوب منها، خصوصاً في ملف الأسرى وإدارة غزة ، وبينما لا تزال تتمسك بخطوطها الحمراء المعلنة، إلا أن لغة البيان تكشف عن تحوّل في الأولويات، وعن استعداد عملي للتكيف مع معادلة ما بعد الحرب وفق الإطار الذي يريده الوسطاء.
د. عبد الرحيم جاموس
الرياض / السبت
