يبدو أن السابع من أكتوبر 2023 قد تحوّل إلى نكبة جديدة للشعب الفلسطيني، من حيث النتائج الكارثية التي خلّفها على المستويين الإنساني والسياسي. فبينما تواصل الوفود التفاوض في شرم الشيخ، يشترط وفد حركة “حماس” انسحاب الاحتلال الإسرائيلي إلى ما قبل هذا التاريخ، إلا أن الموقف الإسرائيلي — المدعوم من الإدارة الأمريكية وفقًا لمبادرة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب — يتحدث عن انسحاب تدريجي، مع إبقاء القوات الإسرائيلية في مناطق استراتيجية مثل رفح ومعبر نتسريم.
هذا يعني أن الانسحاب الكامل قد لا يتم، وأن العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر ما زالت محلّ شك.
ما الذي تحقق سياسيًا وعسكريًا؟
أعلنت حركة حماس أن عملية “طوفان الأقصى” هدفت إلى:
1. وقف الاعتداءات اليومية للمستوطنين الإسرائيليين على المسجد الأقصى المبارك.
2. الإفراج عن الأسرى والأسيرات من سجون الاحتلال الإسرائيلي.
لكن الواقع الميداني والنتائج على الأرض تشير إلى كارثة تفوق في فظاعتها نكبة عام 1948، فقد ارتكبت قوات الاحتلال سلسلة من المجازر وعمليات الإعدام الجماعي، في ظل دمار واسع النطاق.
وفقًا للأرقام المعلنة، تجاوز عدد الشهداء 66 ألفًا، إضافة إلى أكثر من 130 ألف جريح ومصاب، إلى جانب آلاف المفقودين، والأسرى الذين يتعرضون لانتهاكات جسيمة، بما في ذلك الاعتداءات غير الأخلاقية والتنكيل المتواصل.
دمار شامل في غزة
نسبة التدمير في قطاع غزة وصلت إلى درجة المسح الجغرافي الشامل، فلم يعد السكان قادرين على تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة الإنسانية. الإبادة الجماعية والدمار الممنهج شلّا كل مظاهر الحياة، مما أدى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة.
هذا لا يعني رفض المقاومة كفكرة أو كحق مشروع، لكن من الضروري ألا تتحول المقاومة إلى ذريعة تمنح الاحتلال فرصة لتنفيذ أهدافه الاستراتيجية، وفي مقدمتها تهجير السكان من قطاع غزة وفرض وقائع جديدة على الأرض.
لقد حققت إسرائيل، للأسف، أهدافًا تتعلق بـ”التطهير العرقي”، وارتكبت جرائم إبادة ضد المدنيين، مما يضعنا أمام تحدٍّ كبير في إعادة تقييم النتائج والمعادلات السياسية والميدانية.
تضامن عالمي واعتراف متأخر
رغم الكارثة، شهد العالم موجة من التضامن الشعبي والدولي غير المسبوق مع الشعب الفلسطيني. كما دفعت المجازر العديد من الدول إلى الاعتراف بدولة فلسطين — وهو حق تأخر طويلاً وكان ينبغي أن يُمنح للشعب الفلسطيني منذ عقود.
إلا أن المفارقة أن كثيرًا من زعماء العالم الذين اعترفوا بدولة فلسطين خلال الدورة الـ80 للأمم المتحدة، دانوا عملية السابع من أكتوبر، ما يعكس حجم التباين في المواقف الدولية.
لا للمتاجرة بالمقاومة
لا يحق لمن هم خارج قطاع غزة أن يتاجروا بشعارات “المقاومة”، في وقت يعيش فيه نحو مليوني فلسطيني في ظروف لا إنسانية، محرومين من المسكن والغذاء، ويتعرضون للموت اليومي قصفًا وجوعًا ومرضًا.
الانتصار الحقيقي تحقق في صحوة الضمير الإنساني العالمي، الذي ساهم في تعزيز الحضور السياسي والدبلوماسي للقضية الفلسطينية، نتيجة التراكم النضالي والسياسي للشعب الفلسطيني.
المبادرات السياسية
برزت مبادرات مهمة في هذا السياق، أبرزها مبادرة المملكة العربية السعودية لعقد مؤتمر في مقر الأمم المتحدة بمشاركة فرنسا، والخطاب السياسي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي حمل رسائل متعددة للمجتمع الدولي خلال جلسات الأمم المتحدة.
الخطاب السياسي يجب أن يُقيَّم من حيث المضمون والأهداف، لا من حيث الشكل الإنشائي، وهو ما نحتاجه في هذا الظرف الدولي الحساس.
الطريق إلى الأمام
المطلوب الآن هو دعم سياسي ودبلوماسي حقيقي لتحويل الاعترافات الدولية بدولة فلسطين إلى إجراءات ملموسة تنهي الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني، وتقود إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
لكن هذا يبقى مرهونًا بأداء القيادة السياسية الفلسطينية في المرحلة القادمة، وبقدرتها على استثمار هذا الزخم الدولي لتحقيق إنجازات فعلية على الأرض.