تحليل خطة ترمب العشرينية لوقف حرب غزة (1-2)

وليد فارس

ستجري إعادة بناء وتنمية غزة لمصلحة أهلها الذين تعذبوا كثيراً، ومثل هذا المبدأ بالطبع سيفرح الغزاويين ويسعد عرب الاعتدال ويوفر مجالاً “للبزنس” الأميركي والغربي والعربي أن يتموقع في القطاع كما طرح ترمب، والسؤال هو متى وكيف ومن سينظمه؟

منذ أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطته لإنهاء حرب غزة، وفيها 20 نقطة على مستويات عدة، حتى انطلقت عواصف التحليل والنقاش، وأيضاً الآمال لدى الناس بمن فيهم فلسطينيو القطاع والمجتمع الإسرائيلي، وجزء واسع من الرأي العام الدولي، ومعظم المراقبين باتوا يرون احتمال أوسع للوصول إلى السلم، ولكن عدداً كبيراً منهم يصعب عليهم التصديق حتى لو أن التطورات تشير إلى ذلك.

والأسئلة المطروحة الآن، هل نقاط ترمب الـ 20 ستتحول إلى حقيقة على الأرض وبسرعة؟ وهل سينتهي الصراع العسكري في القطاع؟ وهل سيصمد وقف إطلاق النار حتى الوصول إلى الحل السياسي الدائم؟ ومن هنا يصعب التكهن، ولكن خطة ترمب بمجرد إعلانها حركت المفاوضات وأخرجت الحال الراكدة من الوحول إلى العلن، فلنستعرض النقاط الـ 10 الأولى من الخطة ونضعها في إطارها الإستراتيجي المحتمل.

أولاً، “على قطاع غزة أن يكون خالياً من الراديكاليين وأن يبقى كذلك”، وإبعاد الإرهابيين عنها، وإن عنى الرئيس ترمب “حماس” بهذه النقطة فسيتمتع بقبول واسع من الحزبين في واشنطن والتحالف العربي وإلى حد بعيد إسرائيل، وهذا في المبدأ ولكن يبقى الواقع.

ثانياً، “ستجري إعادة بناء وتنمية غزة لمصلحة أهلها الذين تعذبوا كثيراً”، ومثل هذا المبدأ بالطبع سيفرح الغزاويين ويسعد عرب الاعتدال ويوفر مجالاً “للبزنس” الأميركي والغربي والعربي أن يتموقع في القطاع كما طرح ترمب، والسؤال هو متى وكيف ومن سينظمه؟

ثالثاً، “إذا وافق الطرفان تنتهي الحرب بسرعة، وتنسحب القوات الإسرائيلية إلى الخطوط المتفق عليها لتهيئة عملية إطلاق الرهائن، وفي هذه المرحلة تتوقف كل العمليات العسكرية وتتجمد خطوط المواجهة حتى تتحقق شروط الانسحاب الشامل”، وهذه الفقرة تتعلق بإسرائيل لوحدها، فعليها أن تنسحب من خطوط المواجهة وأن تستعد للانسحاب الكامل إذا نفذت “حماس” التزاماتها بتحرير كل الرهائن وتسليم سلاحها، والسؤال هو من وماذا يضمن تسليم السلاح؟

رابعاً، “بعد 72 ساعة من القبول بما سبق، كل الرهائن الأحياء والأموات يجب إعادتهم لإسرائيل”، وهذا المطلب هو مفتاح الفصل الأول للحل، فالرهائن هم النتيجة المباشرة لغزوة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فلا حل من دون إعادتهم وعودتهم فقط لن تكون حلاً شاملاً، و”حماس” تحاول أن تحصل على ما تريده سياسياً كثمن لإطلاقهم، وإسرائيل تسعى إلى تحريرهم لكي تمنع “حماس” من الاستمرار إستراتيجياً.

خامساً، بعد الإفراج عن 250 محكومين بالمؤبد و1700 غزاوي معتقلين، بمن فيهم نساء وأطفال، وفي مقابل كل جثة إسرائيلية ستسلم إسرائيل جثامين 15 غزاوياً”، ويعد هذا تبادلاً تقليدياً وقد حصل في الماضي أكثر من مرة وقد يثبت وقف إطلاق النار الذي قد يفتح المفاوضات حول مستقبل القطاع، إلا أن تسليم الرهائن وتحرير الأسرى الفلسطينيين من دون نزع سلاح “حماس” أو البدء في ذلك، سيقابل بانتقاد إسرائيلي وامتعاض أميركي، ولكن السؤال هو كيف يمكن نزع السلاح من الميليشيات في ظل وقف إطلاق نار؟ ومن هي القوة التي ستنفذ ذلك؟ ومن هي القوة التي ستتسلم من “حماس”؟ وكم طول مثل هذه المرحلة؟

سادساً، “إن أعضاء ‘حماس’ الذين يلتزمون بالتعايش مع إسرائيل ويسلمون سلاحهم سيصدر بحقهم عفو كامل، أما الذين سيفضلون مغادرة القطاع فسيجري تأمين المرور الآمن لهم إلى جهات خارج الحدود”، ويخرج السؤال إلى الواجهة بسرعة وهو في أية جهة بإمكان المقاتلين أن يسلموا سلاحهم؟ وهذا يعني أن سلطة ما ستتشكل لتقوم بتنظيم انتقال السلاح وتفكيك المعدات، وهل ستكون سلطة فلسطينية وقوة عربية ودولية؟ وهل سيكون هناك دور دولي وخطة أمنية؟

لا أجوبة بعد على هذه الأسئلة من قبل أي طرف، ولقد كنا بين الذين اقترحوا مؤتمراً دولياً عربياً شاملاً يضع خطة طريق واضحة ومفصلة حول إنهاء الحرب والانتقال إلى ما بعدها، ولكن ربما مهندسي الخطة فضلوا أن يصلوا إلى وقف إطلاق نار وتحرير الرهائن قبل أية نتيجة أخرى كي يثبتوا واقعاً جديداً من دون قتال ومن دون صداع الرهائن.

سابعاً، “مع القبول بهذا الاتفاق تدخل المساعدات فوراً وتبدأ ورشات إصلاح الأضرار بما فيها المستشفيات والمرافق العامة والمخابز وغيرها ورفع الدمار”، وهذا ما سيريح السكان ويعيد نسبة من الأمان، وفي الكواليس أسئلة عدة مثل من هي الشركات التي ستقوم بهذه الأعمال؟ ومن أين التمويل؟ وهل ستدخل هذه الشركات مع أو من دون حماية أمنية؟ وهل ستخرج القوات الإسرائيلية من مناطق عمل الشركات؟ وهل ستبقى “حماس” في تلك المناطق؟ والخطة لم تنزل إلى هذه التفاصيل ولكن الشيطان يكمن في التفاصيل، لكن ربما هناك تفاهمات غير ظاهرة قد شملت مثل هذه التفاصيل.

ثامناً، “إن توزيع المساعدات سيتواصل من دون تدخل من أي طرف تحت إشراف الأمم المتحدة والهلال الأحمر والمؤسسات الإنسانية، وسيجري فتح معبر رفح في الاتجاهين”، وهذا تطور ضروري لإعادة الحياة لغزة وسكانها، ويبقى التنفيذ ومن أين تدخل المساعدات وكيف توزع؟ فبحسب الخطة أن “التوزيع سيتواصل من دون تدخل أي طرف” مما يعني إسرائيل و”حماس”، فهل ذلك يعني أن هذه الأخيرة ستحيد قبل إدخال المساعدات؟ أم أنها فعلاً لن تفتش القوافل ومراكز التوزيع؟ وهل يعني ذلك امتناع إسرائيل من تفتيش المساعدات وانكفاءها عن عملية إعادة البناء؟

تاسعاً، “ستدار غزة مرحلياً من قبل لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية بإشراف ‘مجلس سلام جديد’ يترأسه الرئيس ترمب وزعماء دوليين”، فبسبب ما جرى في السابع من أكتوبر 2023 خسرت “حماس” حقها في إدارة القطاع من وجهة نظر المجتمع الدولي، وبسبب ما جرى عام 2007 من انقلاب عنيف ضد السلطة الفلسطينية وأيضاً الغزوة المتهورة خريف عام 2023 ضد إسرائيل، خسرت الحركة الثقة العربية بقيادة القضية الفلسطينية، فاستفاد الرئيس ترمب ليدخل المعترك ويأتي بحل وسط لا يسمح لإسرائيل بضم القاطع ويمنع “حماس” من إدارة هذا الأخير، أضف إلى ذلك تحويل قطاع غزة إلى منطقة اقتصادية بإدارة دولية – عربية وبمشاركة عالية للشركات الاقتصادية الدولية، وهذا السيناريو يلائم مصالح قوى مالية عدة، بما فيها الإقليمية والدولية، وليس خطراً على إسرائيل، هذا إذا نجح عملياً على الأرض.

عاشراً، “إطلاق خطة ترمب الاقتصادية والانمائية بمساعدة خبراء بنوا مدناً شرق أوسطية حديثة لكي يوجدوا خلاصات توجيهية لاقتراح استثمارات مبنية على مرتكزات أمنية وإدارية”، وهنا أيضاً هذه التصورات النظرية جيدة وحضارية لمستقبل القطاع بعد أن ينتهي الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فمثل هذا الوعد للمجتمع الغزاوي قد يصبح شبيهاً بـ “مشروع مارشال” بعد الحرب العالمة الثانية ولكن بمستوى رفاهية أعلى، إن عصفت الرياح بالاتجاه المطلوب، وبكلام آخر فإنه مشروع ضخم سينال إعجاب وتأييد كثيرين دولياً، ولكن الأهم أن يحظى بضوء أخضر من الطرفين المتقاتلين، الفلسطينيين والإسرائيليين.

* نقلا عن “اندبندنت عربية”