جائزة نوبل: احتفال دولي وفوز د. عمر ياغي

بقلم: عماد خالد رحمة – برلين

يشهد العالم أجمع في مثل هذه الأيام من كل عام احتفالًا دوليًّا كبيرًا في المجالات الثقافية والأدبية والعلمية بجائزة نوبل، وهو حدث يغيِّر الكثير من مسارات النضال والكفاح الذي يبذله المبدعون في مختلف ميادين الأدب والثقافة والعلم. ونحن العرب نقف – بمرارة – أمام فشلنا المتكرر في الحصول على هذه الجائزة، ونبقى في قائمة الغائبين، رغم انتمائنا إلى أمةٍ غنية بعلمائها وشعرائها وأدبائها، بل وبإمكاناتها المادية أيضًا. فأمتنا العربية تمتلك من المقوّمات ما يجعلها مؤهَّلة لاحتلال مواقع متقدّمة ورائدة في معظم الجوائز ومنصّات الفكر والثقافة والأدب، غير أنّها انشغلت – ولا تزال – بأشياء لا علاقة لها البتة بمنافسة الكبار.
قبل أيام قليلة، تمّ الإعلان في وسائل الإعلام العالمية عن أسماء الفائزين بجوائز نوبل في الطب والكيمياء والفيزياء والأدب وغيرها. وقد كان الفائز العربي الوحيد هذا العام (2025) هو الكيميائي الدكتور عمر ياغي، الذي وُلد في عمّان لأبوين من أصول فلسطينية. حصل ياغي على جائزة نوبل في الكيمياء بالاشتراك مع العالمين سوسومو كيتاغاوا وريتشارد روبسون.
الاسم: عمر ياغي
الجائزة: نوبل في الكيمياء لعام 2025
سبب الفوز: منحت له تقديرًا لمساهمته في ابتكار شكلٍ جديد من العمارة الجزيئية يُعرف باسم الأطر الفلزية العضوية (Metal-Organic Frameworks أو MOFs).
الجنسية: أردني من مواليد عمّان.
الأصول: فلسطينية.
ملاحظة: يُعدّ ياغي ثاني عربي يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء بعد العالم المصري أحمد زويل الذي فاز بها عام 1999.
كم كنا نتمنى أن يكون أكثر من عربي قد حصل على هذه الجائزة العالمية!
فلم يكن أيّ عربي غير د. عمر ياغي حاضرًا هذا العام، وكأنّ العرب قد استسلموا لقدَرهم المحتوم، وقبلوا أن يكونوا في مؤخرة المقتحمين لميادين الأدب والفكر والعلم.
باستثناء الأديب نجيب محفوظ، والعالِم أحمد زويل، والدكتور محمد مصطفى البرادعي (المولود عام 1942)، وهو دبلوماسي وسياسي مصري حصل على جائزة نوبل للسلام سنة 2005 أثناء عمله مديرًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية – لم ينجح أيّ عربي آخر في حجز موقعٍ دائم في سجلّ المبدعين الحائزين على هذه الجائزة المرموقة.
لقد شرّف هؤلاء الثلاثة الأمّة العربية بحضورهم المشرّف وإبداعاتهم الأصيلة، فدخلوا التاريخ من بوابة الاستحقاق العلمي والأدبي. أما من حصل عليها من العرب في مجالات سياسية أو حقوقية، فذلك غالبًا ما ارتبط بظروفٍ ومجاملاتٍ سياسية، كما حدث مع الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، تقديرًا لجهودهما في تحقيق السلام، لا لعملٍ إبداعي أو علميّ خالص.
ونحن على دراية بآراء كثيرين يرون أن جائزة نوبل ذات طابعٍ سياسي في جانبٍ كبيرٍ منها – مع بعض الاستثناءات – وأنها باتت مصدرًا للمفاجآت بسبب غياب كثير من المستحقين الحقيقيين، وتحوّلها أحيانًا إلى أداة تخضع لتوازناتٍ سياسية، خصوصًا في فترات الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية.
غير أنّ الغياب العربي يكشف ما هو أعمق من ذلك: إنه دليل على عدم اهتمام الحكومات العربية بالبحث العلمي، وبضعف المنافسة على الساحة الدولية في مجالات الفكر والإبداع.
فغياب التحفيز، وندرة الدعم المالي للمؤسسات البحثية، وضعف رعاية الموهوبين في المراحل الدراسية المبكرة – كلّها عوامل تفسّر الهوّة الواسعة بين الطموح والواقع في عالمنا العربي. ولو نظرنا إلى المخصصات المالية التي ترصدها الدول العربية لمراكز الدراسات والبحوث العلمية، لاكتشفنا حجم الفجوة المهولة بين الشعارات والحقائق.
لقد غبنا نحن العرب هذا العام – كما في كل عامٍ مضى – عن منصّات التتويج لجائزة نوبل. ذهبت الجوائز إلى علماء وأدباء من فرنسا وبريطانيا ودولٍ أخرى عدّة، بينما ظلّ الغياب العربي أمرًا لا يُثير قلق الحكومات العربية ولا يُحرّك فيها إحساسًا بالمسؤولية. بات الأمر واقعًا مقبولًا، وكأنه كُتب علينا أن نبقى في ذيل القائمة وأسفل درجات الحضارة.
والمأساة الكبرى أننا نغيب عن ميادين الجوائز العلمية والأدبية، لكننا نحضر بقوة في ساحات الحروب والأزمات. نُسمع العالم هدير المدافع وأزيز الرصاص، ولا نُسمعه صوت العقل والعلم والإبداع. لقد أصبحنا منشغلين في الصراعات والدمار والخراب أكثر من انشغالنا بالعلم والمعرفة والثقافة، فخسرنا موضعنا في المستقبل قبل أن نخسره في الحاضر.