ما بعد وقف النار… أسئلة الوطن ومسؤولية الجميع

بقلم: محمد العايدي

بعد دقائق من إعلان وقف إطلاق النار في غزة، شاهدنا انتشارًا واسعًا لعناصر الشرطة في شوارع القطاع بزيهم الرسمي. مشهد أعاد إلى الأذهان مرحلة ما قبل الحرب، وأثار تساؤلات مشروعة بين أبناء شعبنا:
هل هذا يعني أن حماس تعيد تثبيت سيطرتها الإدارية على القطاع؟ أم أنه مجرد إجراء لضبط الأمن بعد معاناة طويلة؟
في كل الأحوال، لا يمكن المرور على هذه التطورات دون قراءة هادئة ومسؤولة تضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار.

غياب الرؤية لليوم التالي

حتى اللحظة، لم تُقدّم حماس رؤية واضحة لليوم التالي للحرب: كيف ستدار غزة؟ من سيتحمل مسؤولية إعادة الإعمار؟ وما هو شكل العلاقة مع منظمة التحرير والسلطة الوطنية؟
الصمت في هذه المرحلة الدقيقة يفتح الباب أمام التخوفات، ويجعل أبناء شعبنا يعيشون حالة من القلق حول المستقبل.
لقد تعب الناس من الغموض، ومن إدارة الأزمات بطريقة ردّ الفعل، فهم يريدون وضوحًا وصراحة ومشاركة وطنية حقيقية.

الرمز الذي غاب: علم فلسطين

في مشهد المفاوضات التي أُعلنت نتائجها، رُفعت أعلام مصر وقطر و”إسرائيل”، بينما غاب علم فلسطين.
كان ذلك مشهدًا موجعًا لكل فلسطيني، لأن العلم ليس شعار فصيل أو جهة، بل هو راية الوطن التي توحّد الجميع.
كيف يمكن أن نتحدث عن التحرير بينما يغيب رمز السيادة في لحظة مصيرية كهذه؟
رفع العلم الفلسطيني يجب أن يكون فوق كل منصة، وفي كل مفاوضة، وأمام كل بيت مدمّر، لأنه عنوان كرامتنا وهويتنا ووحدتنا.

الموقف من المفاوضات… مراجعة لا إدانة

لسنواتٍ طويلة، أدانت حماس المفاوضات التي خاضتها منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، واعتبرتها خروجًا عن الثوابت.
لكننا اليوم أمام مشهد مختلف: مفاوضات غير مباشرة بين حماس و”إسرائيل” عبر وسطاء لوقف إطلاق النار.
فهل تبدّل الحكم الشرعي؟ أم أن الضرورة فرضت ما كان يُستنكر بالأمس؟
لسنا هنا لنتهم أحدًا، بل لندعو إلى مراجعة شجاعة وصادقة للمفاهيم والمواقف.
فالمفاوضات ليست خيانة، إنما أداة من أدوات الصراع إذا كانت تحت سقف الثوابت الوطنية، وبموقف موحّد ومشروع وطني جامع.

الدماء التي لا يجوز أن تُنسى

عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى والمفقودين، ومئات آلاف العائلات التي فقدت المأوى والأمان.
من سيتكفل برعاية أسر الشهداء؟ من سيعيد إعمار البيوت؟ من سيضمن حياة كريمة للناجين؟
هذه الأسئلة لا تخص فصيلًا واحدًا، بل هي مسؤولية وطنية مشتركة يجب أن تُدار ضمن إطار وطني موحد يضم الجميع تحت راية فلسطين.
دماء الشهداء لا تُدار ببيانات إعلامية، بل بخطط واضحة وعدالة اجتماعية ومؤسسات وطنية شفافة.

إعادة الإعمار والوحدة الوطنية

الدمار في غزة لا يمكن ترميمه بجهد جهة واحدة. إعادة الإعمار تحتاج إلى حكومة توافق حقيقية، وإلى إدارة مهنية بعيدة عن الانقسام، وإلى صوت فلسطيني واحد يطالب العالم بحقوقنا بثقة ووحدة.
لقد أثبتت التجربة أن الانقسام لا يبني وطنًا، وأن الانفراد لا يصنع نصرًا.
ما نحتاجه اليوم ليس خطابًا جديدًا، بل إرادة جديدة تعيد اللحمة الوطنية وتفعّل منظمة التحرير الفلسطينية لتكون المظلة الجامعة لكل الطاقات.

ختامًا: النداء من القلب

لسنا في موقع المزايدة على أحد، بل في موقع النداء من قلب الجرح الفلسطيني:
كفى انقسامًا، كفى أحادية، كفى إدارة للدم بدل إدارة للوطن.
لقد حان الوقت لأن نتوحد تحت علم واحد، وبرنامج وطني واحد، يقودنا نحو التحرير الحقيقي لا نحو إعادة إنتاج الأزمات.
فالوطن ليس سلطة ولا فصيلًا ولا منبرًا،
الوطن هو فلسطين،
وهي وحدها من تستحق أن نلتقي من اجلها جميعا