انتهت هذه الحرب، كما كل شيء يبدأ في هذه الحياة، وهذا أمر كان بمثابة الحلم عند الغزيين الذين احتضنوا بؤسهم وحزنهم على مدار عامين من حرب الإبادة والجوع والفقر والقتل، وهذا بحد ذاته كاف للتعبير عن مأساة دخلتها المدينة الأشد حزنا في العالم، فلقد اختزل حلمهم وأعلى أمنياتهم بأن تتوقف حرب الإبادة، وأن ينجوا من موت محقق.
غزة التي تم التنكيل بها بما لم يخترع عقل الشر البشري من أسوأ أنواع التعذيب تعيش اليوم فرحة لا يمكن تصورها، ولعل خروج سكان قطاع غزة إلى الشوارع اليوم، للاحتفال بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار وتوجيه الشكر للوسطاء القطريين والمصريين والأتراك وحتى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وقف الإبادة.
هذه الفرحة الواضحة جاءت بعد سنوات من مطالبة الغزيين لـ”المفاوض الصنديد” بأعلى صوتهم أن أوقفوا الحرب وأحقنوا دماءنا ودماء أطفالنا، وحافظوا على ما تبقى من الشعب قبل أن يتم القضاء عليه كله والقضاء على القضية الفلسطينية برمتها بسبب غبائكم السياسي والعسكري.
صحيح أن الإبادة توقفت اليوم لأن استمرارها صار عبئا على العالم، وإسرائيل لا تحقق فيها أكثر ما حققه مسبقا، لكن ما حدث هذه المرة، هو أن العالم “الأبيض” صاحب ومبتدع القوانين العالمية، ومنتهكها الوحيد، هيأ الظروف للوصول لاتفاق، يوقف القتل، ولا يحرم اسرائيل من مكاسبها، ورغم ذلك فإن توقف الموت غنيمة، ولن يحدث في غزة أسوأ مما حدث.
بعد عامين عاد عقل قادة حماس الى رشده، فالمعارك أيضا بحاجة إلى حسابات هادئة، فما تحقق حتى اللحظة هو كارثة بكل معنى الكلمة، فقد وضعت حماس قطاع غزة برمته تحت ضربات عنجهية إسرائيل وأوصلت الغزي الى الاختيار إما الموت من الاحتلال أو من الجوع الذي لم تشهده البشرية طوال العصور.
ان توقف الحرب الآن أمر في غاية الأهمية والمصلحة للمواطن الغزي بكل تأكيد، فتوقف الحرب يعني الحفاظ على ما تبقى من الشعب، لأن السلاح -أو ما بقي منه- يُدار ولا يدير المعركة وممنوع أن يذهب السلاح أبعد مما يجب، وهناك تجارب في التاريخ تجاوز فيها السلاح السياسة ذاهبا حتى النهاية وأضاع العالم، وفي هذه الحرب بات من الواضح أن الميدان هو الذي قرر وقف اطلاق النار وفرض على الساسة قرارا حازما بوقف الحرب أيا كانت النتيجة، لأن المفاوض في كل جولة يفاوض للوصول الى ما توصل اليه في الجولة السابقة، وهذا فشل واضح في “عنادة ومكابرة” المفاوض الشرس، وهنا كانت المصيبة على مدار عامين.
في السياسة هناك ما يعرف باللحظة التاريخية التي يجب التقاطها، وهذه ما تم فعلا والتقطها القادة أخيرا، بضغط من ترامب والوسطاء من كل الدول، فوقف الحرب والتقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب ما بعثرته الصواريخ، أمر لابد منه بعد عامين من الدمار والقتل.. هنيئا لغزة وحمدا لله على سلامتكم يا أشرف الناس..