المصدر : هآرتس
بقلم : روعي شفارتس
إنها النشوة، يبدو كأنه لا توجد كلمة أُخرى لوصف المشاعر في إسرائيل اليوم
يسير الناس في الشوارع، تعلو وجوههم ابتسامة عريضة من دون سبب واضح (لكنه معروف في أذهانهم)، يضحكون هكذا من دون سبب، وهم أكثر هدوءاً، وأكثر راحةً، وحتى عندما ينظرون إلى السماء ويرون مروحية عسكرية تقترب من الهبوط في مستشفى إيخيلوف – تغمرهم السعادة.
إن عودة الرهائن ونهاية الحرب تحولتا إلى عيد لا علاقة له بالتقويم العبري. فجأةً، أدرك كثيرون أنه لا يوجد قتل يبعث على الفرح، بقدر الاحتفال بالحياة. حتى الاغتيالات التي طالت حسن نصر الله ويحيى السنوار وخلفاءهم، لم تطلق مشاعر إيجابية قوية وعارمة بهذا الشكل. عندما أعلن “يُسمح بالنشر” أنه لم يبقَ أي رهائن أحياء في غزة، وباتوا الآن رهائن سابقين داخل الأراضي الإسرائيلية، حتى الذين يقدمون البرامج في التلفزيون تخلصوا من النظرات الكئيبة واستبدلوها بوجوه مشرقة، ولم يحاولوا إخفاء مشاعرهم.
لكن الحقيقة المؤلمة غطّت على الشعور العام بأن “الأمر انتهى”، ومفادها بأنه لم تعُد جثث الرهائن القتلى كلها إلى إسرائيل. لكن بغض النظر عن ذلك، قيل إنه يمكن المضي قدماً إلى الثامن من أكتوبر، أي العودة إلى الحياة الطبيعية؛ ستعود شركات الطيران الأجنبية إلى البلد، وربما تنخفض أسعار الرحلات؛ وسيعود السياح؛ وستختفي أيضاً كل تلك التهديدات بالاستبعاد من مسابقة يوروفيجن، أو من بطولات كرة القدم الدولية. فالحرب انتهت، والعالم كله سيعود ليحبنا مثلما كان عليه في السابق – ولن يتذكر إلّا ما فعلوه بنا في السابع من أكتوبر.
أن جدار الإنكار ما زال قائماً وصلباً. فحتى بعد عشرات آلاف القتلى من الفلسطينيين، وكثيرون منهم غير مسلحين؛ وحتى بعد التقارير والمقالات والشهادات، لا يزال كثيرون في إسرائيل يجدون صعوبة في رؤية معاناة الآخر. بل ينكرونها.
لكن الآن، مع فتح قطاع غزة أمام الصحافيين الأجانب، سيتمكن العالم كله من رؤية ما حاولت إسرائيل إخفاءه. ستتمكن فرق الإعلام من الذهاب إلى حيث تشاء من دون الحاجة إلى مرافقة من المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، وستروي قصصاً لم تُروَ بعد. وعندما تُرفع الأنقاض، قد تُكتشف تحتها فظائع، ولكلّ فظاعة اسم وقصة حياة. في الواقع، من المحتمل جداً أن ما يعرفه العالم اليوم عمّا حدث في غزة خلال سنوات الحرب لا يكاد يقارَن بما قد يُكتشف بعد، والذي قد يصدم العالم حقاً.
وفي الوقت الذي سيبدأ أهالي غزة بمحاولة ترميم ما تبقى من حياتهم هناك، وجمع الجثث لدفنها، والحِداد أيضاً على مَن لم يُعثر عليهم، من المرجح ألّا يتحسن كثيراً الرأي العام العالمي إزاء إسرائيل. ولن تستطيع أي “حملة دعائية” الصمود أمام الحقيقة التي ستخرج من القطاع. إن الطريقة الوحيدة للتعافي هي الاعتراف بما ارتُكب باسمنا.