ران أدليست – معاريف / 17/10/2025
ترامب أزعر الحارة في العالم. قوته في لسانه فقط، وكل ما تبقى محرج ببؤسه. هذه القوة أنقذت المخطوفين وجمعت نصف العالم في شرم الشيخ لصنع سلام شرق أوسطي بالمفهوم الوحيد الذي يفهمه ترامب: أن تصنع السلام يعني أن تجني المال. وبالمناسبة، هي ليست مصادفة: للفهم، إذا كان ترامب سيواصل الهجوم على نتنياهو لتنفيذ تفاهمات شرح الشيخ (دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل هي الهدف الأساس)، ينبغي فحص وضع ترامب في الولايات المتحدة والعالم – وهذا هو مكان التفاؤل.
حتى الآن، فشل ترامب في كل موضوع انشغل وينشغل به، من السياسة الخارجية وحتى السياسة الداخلية. لم يسبق أن كان رئيس تهبط نسب التأييد له إلى 30 في المئة. اقتصاد في أزمة عقب سياسة جمارك وضرائب مجنونة، وخطوات منفلتة العقال ضد الديمقراطية (إدخال وحدات جيش إلى الولايات)، وتعطيل عمل الحكومة، وانتقامية صبيانية من كل من آذاه في الماضي. لقد تكبد فشلاً ذريعاً في مواجهة مباشرة مع بوتين الذي رفض مبادرته للسلام، أما شي جينبينغ الصيني فقد استخف بعقوباته. وحين ضاقت عليه الحيلة، تراجع ترامب وارتبط بالناتو (بعد أن نسي مطالبة غبية بتفكيكه). والإيرانيون أيضاً لا يسارعون لشراء مبادرته للسلام. وحتى فولوديمير زيلينسكي رفض تسليم أجزاء من الوطن إلى بوتين رغم أنه تلقى حظر سلاح وتهديدات. وعندها يأتي ترامب إلى الشرق الأوسط الذي يبدو ظاهراً كمشكلة لا يمكن حلها – فوجد أمامه زعيماً ضعيفاً قابلاً للضغط والابتزاز. ترامب يخضعه، ينزع منه كل تصريحاته، ويربطه، يجلده، ويدفعه لأن يتراجع عن كل تهديداته وتصريحاته القتالية. منذئذ وحتى اليوم، كان جوهر العلاقات بين ترامب وبيبي سادية – مازوشية (التلذذ وتعذيب الآخرين والتعرض للتعذيب). أتتذكرون إهانة الخازوق في احتفال الاعتذار في واشنطن؟ لينه وزيته ترامب بالممالأة، وربطه بمصالحه، وجلَده، أما نتنياهو فأطاع بابتسامة صفراء. هكذا كسبت إسرائيل مخطوفيها وخسرت جزءاً آخر من قوتها، وهكذا عولج نتنياهو لاحقاً حين وصل ترامب إلى الكنيست. مضروب من الخارج وملاحق من الداخل.
القنبلة الموقوتة تحت كرسيه في البيت الأبيض في هذه الأيام هي مبادرة مشتركة للديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس الذين يطالبون بإنزال المدعي العام الرئيس بتسليم وثائق ترتبط بتحقيق جيفري ابستين إلى لجنة الرقابة على البرلمان، أو كما قال أحد أعضاء اللجنة: “لا نريد أن يدير ملاحق الأطفال البيت الأبيض”. صحافيون عارفون، واثقون من أنه كشف سيصفي ترامب سياسياً. وفي هذه الأثناء، يهبط في المكان الأكثر مواساة في الكون: فرع مركز الليكود في كنيست إسرائيل. يوم تاريخي؟ هراء. فعل تحرير المخطوفين كان تاريخياً. في الكنيست، استغل الائتلاف تحكمه بجدول الأعمال لتلفيق رواية عرضت فشلاً ذريعاً ودامياً حيال حماس كنصر مدو في صالح الانتخابات التمهيدية للمشاركين وحملة الانتخابات التي على العتبة. والمعارضة هي الأخرى امتطت التسونامي والانفعال القومي. لم يسبق للكنيست أن رأت استسلاماً لواقع على هذا القدر من الغطرسة، وهتفت لرئيس أمريكي تصرف تماماً كمقدم برامج تسوية. فقد كانت هذه وظيفته وبطاقة دخوله إلى الوعي العام في الولايات المتحدة. في كل لحظة أمسك فيها ترامب الميكروفون كان عرضاً معيباً ومشوشاً تضمن مبالغات وإهانات وترهات مختلفة. الحقيقة أن هذا كان مبهجاً بخاصة لمن نسي أن الحديث يدور عن مصير إسرائيل، ورأى في ترامب مجرد غرض في مختبر باعث على الفضول.. حين كان ترامب مركزاً، تحدث عن السلام بما في ذلك مع إيران وعن الحاجة للاستجابة (للاستسلام) للدول العربية (تملك مالاً طائلاً) التي تريد التسوية (التي تعني دولة فلسطينية). تصرف ترامب كتاجر عارٍ جاء ليقنع بيبي على الاستسلام في الجولة التالية. ولم يتردد في إعداد فخ له يربطه بتسوية إدخال قوات خارجية إلى القطاع. وهكذا بشكل عفوي، دعا نتنياهو إلى شرم الشيخ من اللحظة إلى اللحظة. قدر ترامب وهو في طائرته الرئاسية، بأن نتنياهو لن يصمد أمام الإغراء. وبالفعل، قال نتنياهو نعم للعرض الذي يسمح له بأن يبث – أنا وترامب مستوى آخر. سافرت معه في السيارة الرئاسية من مطار بن غوريون إلى القدس، والآن نطير معاً إلى قمة دولية، وليمت الحاسدون. حتى لو فككوا الحكومة، فها أنا أجلس مع ترامب مع الطائرة وأبحث في مصير العالم.. لا أعرف ماذا أو من أقنع بيبي بالتراجع. يمكن الافتراض أنه هو نفسه أحس بفخ. عشرات السنين تمتنع حكومات اليمين عن المشاركة في مؤتمر دول للزعماء في موضوع الشرق الأوسط. كانت النتيجة واضحة مسبقا: رئيس وزراء إسرائيل رافض للسلام، أمام عالم يطالب بحل المشكلة الفلسطينية. هذا ليس مشهداً منعشاً، بل ضرر للصورة.
عندما لم يصمد إسحق شامير أمام ضغط بوش الأب (تهديدات بتقليص ضمانات بالمليارات وعدم نقل السلاح)، تنازل في 1991 وشارك في مؤتمر مدريد الذي تحدث صراحة عن “مسيرة سلام مباشرة مع الفلسطينيين”. أمر شامير ممثليه بعرقلة كل فكرة تمس بالمستوطنات. وبالفعل، سيطر ممثلوه السياسيون على الخطاب، بمن فيهم افرايم هليفي الذي كان في حينه رئيس دائرة العالم في الموساد، في المحادثات مع نظرائه. ومعاً خدعوا العالم كله، وخمنوا من كان الناطق بلسان الوفد؟ صحيح، نتنياهو. وبينما دخلت المنظومة اللوجستية إلى عمل سريع، وصل نتنياهو إلى حسم الأمر: إذا انضم إلى ترامب فسيكون بمثابة سجين ورهينة سيلتقي في شرم 20 رئيس دولة يتحدثون عن دولة فلسطينية الآن. حسناً، هذا ليس لطيفاً. خشي أن يجلسه ترامب إلى جانب أبو مازن، فيما يعلو فوق رأسه عنوان القمة الذي أعده السيسي: “سلام 2025”. وعندها، ما الذي سيقوله مصوتو ومنتسبو الليكود. فقبل نحو شهر فقط، منع ترامب أبو مازن من الوصول للخطابة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة. أما في شرم، فصافح أبو مازن وأجرى معه حديثاً مصادفاً، وكأنه رئيس دولة شرعي.
والأسوأ أن ترامب يتعامل مع حماس كمنظمة يجب أخذها بالحسبان وعدم قتلها. وعندها صحا نتنياهو وامتشق ذريعة عابثة، ذهب للنوم على أمل ألا يرى ترامب، لا بالحلم ولا بالهاتف، لا في الكنيست وبالتأكيد لا في البيت الأبيض.
( مركز الدراسات )