للأسف الشديد، لم تُدرك حركة حماس مخاطر ونتائج السابع من أكتوبر حتى الوقت الحاضر، لا ضمن الحسابات الوطنية الفلسطينية، ولا في الحسابات الصهيوـأمريكية
اعتقدت قيادات حماس أن مجرد الدخول في مفاوضات مع بعض المسؤولين في الإدارة الأمريكية سيؤدي إلى اعتبار الحركة بديلًا عن منظمة التحرير الفلسطينية، كما صرّح القيادي في حماس محمد نزال، بأن الإدارة الأمريكية قد فاوضت حركة طالبان في أفغانستان، وقال إن حماس ستتولى مسؤولية الأمن في قطاع غزة
وفي سياق متصل، وقبل اتفاق شرم الشيخ، كان رئيس الوفد المفاوض عن حركة حماس، السيد خليل الحية، يتطلع إلى مصافحة السيد ستيف ويتكوف، المبعوث الأمريكي، خلال ختام المفاوضات والتوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة
وقد وافقت الإدارة الأمريكية، في عهد الرئيس دونالد ترامب، على إجراء مفاوضات مباشرة مع حماس في شرم الشيخ، بعد قبول الأخيرة ببنود الاتفاق. وقد وصف ترامب قيادات حماس بأنهم “أذكياء”، وسمح بعودة شرطة حماس لحفظ الأمن بقطاع غزة، لكن ذلك بمثابة فخ لحماس أعادته الإدارة الأمريكية
فقد أطلقت حماس حملة أمنية استهدفت العملاء والجواسيس المتعاونين مع الاحتلال الإسرائيلي، لكنها في الوقت ذاته استغلت هذه الحملة لتصفية حسابات مع خصومها من العائلات الفلسطينية في القطاع، وقامت بتصفية مناضلين من حركة فتح، من بينهم الأسير المحرر الشهيد هشام الصفطاوي، إلى جانب عدد من المواطنين. والصحفي الفلسطيني الذي تم خطفه من منزله وتم إعادته جثة إلى أهله والعائلة. هذا السلوك ومحاولة فرض القبضة الحديدة على المواطنين بقطاع غزة سوف يؤدي إلى المزيد من عزل حركة حماس في القطاع
وفي ظل هذه الأوضاع الداخلية، استغلت حكومة نتنياهو الإرهابية ما يحدث، وشنّت عمليات قصف وعدوان جديد على قطاع غزة، سعيًا للتراجع عن اتفاق شرم الشيخ، بحجة أن حماس عادت للسيطرة الأمنية والعسكرية على القطاع
وتقول واشنطن إن هناك “تقارير موثوقة” تشير إلى تخطيط حماس لهجوم على المدنيين في غزة. وقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، يوم السبت، أنها أبلغت الدول الضامنة لاتفاق وقف إطلاق النار بوجود هذه التقارير، وقالت:
“في حال مضت حماس قدمًا في هذا الهجوم، فسيتم اتخاذ إجراءات لحماية سكان غزة، والحفاظ على سلامة وقف إطلاق النار”
للأسف الشديد، لم تستفد حماس من فرصة وقف العدوان الإسرائيلي وإعادة انتشار شرطتها في القطاع بموافقة الإدارة الأمريكية و”إسرائيل”. وبدلًا من تقديم الدعم والإسناد والمساعدات الغذائية للمواطنين بعد مرور عامين على العدوان والإبادة الجماعية، كانت أولويات حماس السيطرة الأمنية على المناطق التي انسحب منها الاحتلال وفقًا لاتفاق شرم الشيخ
وحاولت حماس تقديم نفسها كجهة فلسطينية قادرة على فرض السيطرة بعد الانسحاب التدريجي للاحتلال، لكنها وقعت في فخ القضايا الأمنية. إذ قامت بتصفية مجموعات تابعة للاحتلال، لكنها لم تكتفِ بذلك، بل صفّت أيضًا حساباتها مع بعض العائلات في القطاع
وكان الأجدر بحماس أن تعمل على استعادة شعبيتها بين الفلسطينيين في القطاع، بعد أن تراجعت خلال فترة حكمها، خصوصًا أن الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس والشتات يقفون مع المقاومة بكل مكوناتها
هؤلاء المقاومون الذين شاهدناهم على شاشات التلفاز يتصدّون لدبابات وآليات الاحتلال الإسرائيلي بكل بسالة، ليسوا من يُقدم على الاعتداء على المواطنين في غزة
ونحن لسنا ضد محاسبة العملاء والجواسيس، أو من يسرقون المساعدات، لكن ذلك يجب أن يتم وفقًا للقانون الفلسطيني، وبإشراف القضاء
وفي نهاية المطاف، تقع على عاتق حركتي حماس وفتح، وبشكل خاص، مسؤولية حماية المشروع الوطني الفلسطيني، من خلال الدعوة إلى حوار وطني شامل، يضم جميع الفصائل الفلسطينية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية، وتحقيق توافق وطني مبنياً على أساس الشراكة الوطنية الحقيقية ووفق النظام الداخلي لمنظمة التحرير الفلسطينية