تقسيم غزة.. خطوة نحو ترسيخ الانقسام وخدمة مشروع الاحتلال

بقلم : د. عبد الرحيم جاموس

بدأ جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم رسميًا بتقسيم قطاع غزة إلى قسمين: غزة شرقية تقع تحت سيطرته المباشرة وتمثل نحو 58% من مساحة القطاع، وغزة غربية تسيطر عليها حركة حماس وتشكل ما يقارب 42% من المساحة المتبقية. وقد حذر الاحتلال المدنيين من تجاوز خطوط الفصل الصفراء التي رسمها على الأرض، مهددًا بالقتل كل من يقترب منها، في خطوة تكشف عن تحول خطير في إدارة العدوان ومخرجاته السياسية.
هذا التقسيم الميداني لا يمكن النظر إليه كإجراء عسكري مؤقت، بل هو تنفيذ فعلي لجزء من خطة سياسية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل الجغرافيا الفلسطينية، انسجامًا مع ما ورد في “صفقة القرن” وخطط إعادة ترتيب الإقليم. فالاحتلال لم يكتف بتدمير البنية التحتية للقطاع وتشريد سكانه، بل يسعى اليوم إلى إعادة هندسة واقع غزة بما يضمن له السيطرة الأمنية والاقتصادية عليها من جهة، وإدامة حالة الانقسام الفلسطيني من جهة أخرى.
يبدو أن ما يجري اليوم هو تطبيق عملي لنموذج “الإدارة المزدوجة” الذي يُبقي على غزة مقسمة بين سلطتين متنازعتين:
سلطة الاحتلال التي تمسك بالميدان، وتتحكم بالحدود والممرات والموارد.
وسلطة الأمر الواقع التي تستمر في إدارة ما تبقى من القطاع، محاصَرة سياسيًا وجغرافيًا، دون أفق أو شرعية وطنية حقيقية.
المفارقة المؤلمة أن من رفعوا شعار “تحرير القدس وتوحيدها” أسهموا – بوعي أو دون وعي – في تقسيم غزة نفسها، لتصبح القدس أبعد، وغزة أصغر، وفلسطين أكثر انقسامًا وضعفًا. وبهذا التحول، يتحول الشعار إلى نكوص عن الهدف الوطني الجامع، ويصبح الاحتلال هو المستفيد الوحيد من استمرار هذا الانقسام المدمّر.
إن التقسيم الراهن للقطاع يشكل سابقة خطيرة تهدد بتحويله إلى كيانين متناقضين في النظام والإدارة والولاء، أحدهما خاضع للهيمنة الإسرائيلية وربما لإشراف دولي لاحق، والآخر غارق في أزماته الداخلية. وهذا يعني أن القطاع مقبل على مرحلة طويلة من الانفصال الجغرافي والسياسي، قد تمتد آثارها إلى المشهد الفلسطيني بأكمله.
ما يجري اليوم يفرض على القيادة الفلسطينية، بكل فصائلها وقواها، أن تعيد النظر في أولوياتها. فالمطلوب ليس إدارة الانقسام أو التكيّف معه، بل استعادة الوحدة الوطنية على أساس مشروع تحرري جامع يعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها وشرعيتها، ويمنع تحويل غزة إلى سجن مزدوج الجدران: من الخارج بالاحتلال، ومن الداخل بالانقسام.
لقد آن الأوان لأن ينهض الفلسطيني من تحت رماد الألم، كما طائر الفينيق، لا ليحلق في فضاء الانقسام، بل في سماء القدس والحرية والكرامة. فالوطن لا يُستعاد بالشعارات ولا بالانقسام، بل بوحدة الإرادة والهدف والمصير.
د. عبد الرحيم جاموس