غزة ليست وصاية دولية… بل أرض سيادة فلسطينية

بقلم: محمد العايدي

نشرت صحيفة القدس مسودة لما يُسمى “المشروع الأمريكي حول السلطة الانتقالية الدولية في غزة”، وهو مشروع خطير لا يمكن النظر إليه كخطة تقنية أو إدارة مؤقتة كما يحاول البعض تصويره، بل هو محاولة سياسية ممنهجة لتجريد الشعب الفلسطيني من حقه في السيادة على أرضه، وتحويل غزة إلى منطقة وصاية دولية تُدار من قبل “مندوب سامٍ” أجنبي، في مشهد يعيد إلى الأذهان مرحلة الانتداب التي رفضها شعبنا قبل قرن من الزمن.

إن جوهر هذا المشروع لا يختلف عن مشاريع سابقة حملت أسماء براقة مثل “الإدارة المؤقتة”، “الترتيبات الأمنية”، أو “المرحلة الانتقالية”، لكنها كانت جميعًا تهدف إلى أمر واحد: تفكيك الإرادة الوطنية الفلسطينية، وإعادة رسم المشهد بما يخدم الرؤية الإسرائيلية والأمريكية القائمة على إدامة الانقسام وترويض الوعي الوطني.

فحين يُطرح أن تكون هناك سلطة انتقالية “دولية” تشرف على الأمن، والتعليم، والخدمات، وإعادة الإعمار، فإن السؤال البديهي هو:
أين السلطة الفلسطينية؟ أين السيادة الوطنية؟ وأين تضحيات الشعب الفلسطيني التي قدمها دفاعًا عن حقه في أن يحكم نفسه بنفسه؟

لا أحد يمكنه أن يقنع الفلسطيني بأن “المندوب الدولي” سيكون أكثر حرصًا على غزة من أبنائها الذين دفعوا ثمن الحرية دمًا ودمارًا. فالمندوب، مهما كانت صفته، يمثل إرادة القوى الكبرى، لا إرادة الشعوب. وتجربة الشعوب مع مثل هذه المشاريع معروفة: كل وصاية تبدأ بعبارة “إدارة مؤقتة”، وتنتهي بسيطرة دائمة.

لقد قاوم الفلسطينيون مشاريع الوصاية منذ وعد بلفور حتى اليوم، لأنهم يدركون أن أي وجود أجنبي على الأرض الفلسطينية – مهما كان غطاؤه – هو اختزال لحق تقرير المصير وتهديد مباشر لوحدة الوطن. وغزة التي واجهت العدوان الإسرائيلي عشرات المرات لن تقبل اليوم أن تُدار من الخارج وكأنها “ملف إنساني”، بل هي قضية سياسية ووطنية بامتياز.

إن ما تحتاجه غزة ليس مندوبًا أجنبيًا ولا إدارة انتقالية، بل إنهاء الاحتلال وتوحيد القيادة الوطنية الفلسطينية، وإعادة بناء المؤسسات على أساس الشراكة والانتخابات والتمثيل الحقيقي. هذا هو الطريق الوحيد لإعمار غزة واستقرارها، وليس تحويلها إلى منطقة اختبار للمشاريع الدولية.

من الخطأ القاتل أن يُترك مستقبل غزة رهينة لمشاريع خارجية تتعامل مع القطاع وكأنه كيان منفصل أو ورقة تفاوض مستقلة. غزة ليست “إقليماً خاصاً” بل قلب فلسطين النابض، وحصنها الذي ضحى وقدم الاف الشهداء من اجل الحريه والكرامه واقامه الدوله الفلسطينيه المستقله.

إن قبول فكرة “السلطة الانتقالية الدولية” يعني عمليًا الاعتراف بفشل المشروع الوطني الفلسطيني، وتسليم مفاتيح السيادة الوطنية للأجانب، وهو أمر لا يمكن أن يقبله أي وطني حر.

لذلك فإن الرد الفلسطيني يجب أن يكون واضحًا وصريحًا وقد كتبته في مقال سابق وأكرره :
لا لوصاية دولية، لا لانتداب جديد، لا لأي مشروع ينتزع منّا قرارنا الوطني.
فلسطين ليست أرضًا متنازعًا عليها لتدار بقرار من واشنطن أو مجلس الأمن، بل وطن محتل يسعى شعبه إلى التحرر، لا إلى وصاية.

إن من واجبنا كفلسطينيين، بكل أطيافنا السياسية والفكرية، أن نغلق الباب أمام هذا العبث الجديد، وأن نحمي حقنا في أن تكون غزة جزءًا من السيادة الفلسطينية، لا ساحة نفوذ لأحد.
وغزة، كما كانت دائمًا، لن تُحكم إلا بإرادة أبنائها، ولن تُدار إلا بقرار وطني حر