بعد عقد من اللجوء – مليون سوري في ألمانيا يواجهون المجهول

السياسي – في خضم الجدل المتصاعد في ألمانيا حول ملف اللاجئين السوريين، تتزايد الدعوات داخل الأوساط السياسية لإعادة النظر في سياسة اللجوء، بعد أكثر من عشر سنوات على استقبال مئات الآلاف من السوريين الهاربين من الحرب.

يرفع محمد حجار، مدير مطعم سوري في برلين، كتفيه بحركة تنم عن التحدي، ردا على تصريحات المستشار الألماني فريدريش ميرتس، الذي دعا مؤخرا إلى “إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم أو ترحيلهم إذا لزم الأمر”.

يقول حجار، الذي وصل إلى ألمانيا قبل نحو عقد من الزمن، لوكالة “فرانس برس”: “معظم من أعرفهم هنا مندمجون في المجتمع ويعملون، بعضهم مهندسون أو أطلقوا مشاريعهم الخاصة، فلماذا عليهم المغادرة؟”.

كان قرار المستشارة السابقة أنغيلا ميركل عام 2015 بفتح أبواب البلاد أمام اللاجئين لحظة فارقة، استقبلت خلالها ألمانيا مئات الآلاف من السوريين. غير أن الأوضاع تغيرت جذريا منذ ذلك الحين؛ فالنظام السوري سقط، وألمانيا تواجه أزمة اقتصادية متصاعدة، كما شهدت البلاد هجمات إرهابية، بينما يواصل حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف تعزيز حضوره السياسي عبر الدعوة إلى “إعادة الأجانب إلى بلدانهم”.

وفي تصريحات أثارت جدلا واسعا، قال ميرتس إن “الحرب الأهلية في سوريا انتهت، ولم يعد هناك أي مبرر لطلب اللجوء في ألمانيا”، مضيفا أن “من يرفض العودة إلى بلده يمكن ترحيله بالطبع”.  وجاءت كلماته بعد زيارة وزير الخارجية يوهان فاديفول إلى دمشق، حيث قال الأخير إن “عودة السوريين لا يمكن أن تتم إلا بشكل محدود جدا، لأن قسما كبيرا من البنية التحتية في البلاد قد دمر”.

تصريحات فاديفول أثارت حفيظة الجناح اليميني في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي ينتمي إليه كل من الوزير والمستشار ميرتس، إذ اعتبر عدد من النواب أن “حجم الدمار لا يعد مبررا كافيا لعرقلة العودة الطوعية أو الإلزامية للسوريين”، داعين الحكومة إلى تسريع المحادثات مع السلطات الجديدة في دمشق بشأن هذا الملف.
من جانبه، يرى طارق الأوس، الناطق باسم منظمة “برو أزول” للدفاع عن اللاجئين، أن ميرتس يحاول “تخويف السوريين” من خلال تصريحات غامضة لا تحدد الفئات المستهدفة بالترحيل. ويقول الأوس، وهو سوري يعيش في ألمانيا منذ 2015، لوكالة “فرانس برس” إن “الناس لم يتوقفوا عن الاتصال بي منذ الأمس، يقولون إنهم يخشون الترحيل”.

ورغم تصاعد الجدل، يؤكد خبراء أن احتمال تنفيذ عمليات ترحيل واسعة النطاق لا يزال ضعيفا. ففي تموز/يوليو الماضي، أصبحت النمسا أول دولة في الاتحاد الأوروبي ترحل سوريا مدانا بعد تغيير السلطة في دمشق، لكن ألمانيا لم تقدم على أي خطوة مماثلة حتى الآن.

وتظهر بيانات الوكالة الاتحادية للتوظيف أن نحو 42% من السوريين المقيمين في ألمانيا يعملون، بينما يتلقى 46% مساعدات اجتماعية، وهي أرقام توظفها الأحزاب اليمينية المتشددة لتبرير خطابها المعادي للاجئين.

وفي المقابل، تؤكد دراسات حديثة أن غالبية السوريين اندمجوا في المجتمع الألماني. ووفق استطلاع أجرته هيئة الإذاعة والتلفزيون الألمانية (ARD) في آب/أغسطس 2025، قال 66% من السوريين إنهم ينوون البقاء في ألمانيا، فيما عاد نحو 4 آلاف فقط إلى بلادهم منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024.

وفي محاولة لتهدئة الجدل، أكد المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفان كورنيليوس، في مؤتمر صحفي ببرلين الأربعاء الماضي٬ أن المستشار ميرتس “يدعم وزير الخارجية بشكل كامل”، مشيرا إلى أن “الحكومة تركز على تحقيق الاستقرار في سوريا لتسهيل العودة الطوعية، وترحيل مرتكبي الجرائم والأشخاص المصنفين خطرين، وفق القانون ودون استهداف جماعي”.

وبحسب المكتب الاتحادي للإحصاء، يعيش في ألمانيا نحو 973 ألف سوري حتى نهاية عام 2023، بينهم 712 ألف شخص يتمتعون بحماية قانونية مؤقتة أو إنسانية. ورغم حصول كثير منهم على إقامة دائمة أو الجنسية الألمانية، فإن آلافا آخرين ما زالوا يواجهون غموضا قانونيا يجعلهم عرضة للتجاذبات السياسية.