انعقدت في العاصمة اللبنانية بيروت الدورة الرابعة والثلاثون للمؤتمر القومي العربي، على مدار ثلاثة أيام من 7 إلى 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2025. وقد جاء انعقاد المؤتمر في هذا التوقيت مناسبًا، لا سيما بعد مؤتمر شرم الشيخ والبيانات الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، الذي نصب نفسه زعيمًا للعالم خلال ذلك المؤتمر الذي حمل عنوان السلام في الشرق الأوسط.
ورغم أن المؤتمر بدأ من حيث الشكل بالدعوة إلى وقف العدوان والإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المستمرة منذ عامين، ورغم الترحيب الواسع بانعقاده، فإنه لم يحقق النتائج المرجوّة لوقف العدوان الإسرائيلي على القطاع، والذي أدى إلى سقوط آلاف الشهداء والجرحى والمصابين والمعتقلين، فضلًا عن تدمير ما يزيد على 90% من الأبراج السكنية والمخيمات والمدارس والجامعات. كما تم تدمير مختلف مرافق القطاع، بما في ذلك المستشفيات، واستُهدف الأطباء والمسعفون ورجال الدفاع المدني، وقُتل أكثر من 240 صحفيًا وصحفية، بل استُهدفت منازلهم وعائلاتهم أيضًا.
إنّ الإدارة الأمريكية، سواء من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، لم تقم بدور الوسيط لوقف الإبادة الجماعية في غزة، بل كانت شريكًا فعليًا إلى جانب حكومة نتنياهو الإرهابية في العدوان على القطاع. كما استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ست مرات متتالية لمنع صدور قرار بوقف إطلاق النار.
وفي سياق متصل، جاءت الدورة الثمانون للجمعية العامة للأمم المتحدة لتشهد دعوة المملكة العربية السعودية وفرنسا إلى عقد مؤتمر دولي بمقر الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين. وقد شكلت تلك الدعوة رأيًا عامًا دوليًا وضغطًا عربيًا وإسلاميًا أسهم في تعزيز المطلب بوقف العدوان الإسرائيلي.
ومع ذلك، فإن مبادرة ترامب لم تتضمن الاعتراف بدولة فلسطين أو بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. ولا تزال حكومة نتنياهو تخرق اتفاقات وقف إطلاق النار، وتمنع دخول المساعدات الإنسانية، وتُطلق العنان للمستوطنين لارتكاب اعتداءات يومية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس ومخيماتهما. كما يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه اليومي على لبنان وسوريا، في تهديد مباشر للأمن القومي العربي والاستقرار الإقليمي.
من هنا، فإن انعقاد المؤتمر القومي العربي في دورته الرابعة والثلاثين يشكّل ضرورة وطنية وقومية في ظل التحديات الراهنة، حيث تمثّل إسرائيل عنوانًا للإرهاب والتهديد المباشر للأمة العربية بأسرها. وجاءت مهمة المؤتمر بحث الأوضاع الراهنة والعدوان المستمر على فلسطين ولبنان وسوريا واليمن، إضافة إلى غياب الردع الاستراتيجي العربي تجاه الاحتلال الإسرائيلي.
ويتطلب الوضع الحالي بلورة رؤية شاملة من شخصيات قومية وسياسية وأمنية ودبلوماسية وبرلمانية، لمواجهة التحديات الإسرائيلية التي لا تستثني أيًّا من الدول العربية والإسلامية. كما أن على الدول العربية أن تفتح حدودها وتعمل على حماية المشروع القومي العربي، وأن يُعقد المؤتمر دوريًا في مختلف العواصم العربية، على غرار القمم العربية الرسمية.
إن دعم وإسناد المؤتمر القومي العربي يشكّل عاملًا أساسيًا في تحقيق النهوض العربي المشترك على المستويين الرسمي والشعبي. وفي المقابل، يجب ألا يقتصر دور الأعضاء المشاركين على إلقاء خطابات حماسية لإرضاء توجهات معينة، بل ينبغي أن يكون المؤتمر مساحة حقيقية للمراجعة والمعالجة، من أجل تطوير أدوات وآليات العمل القومي العربي لمواجهة التحديات الإسرائيلية التي استهدفت مختلف الأقطار العربية.
ومن خلال مشاركتي في أعمال المؤتمر، أرى أن على الأعضاء تحمّل مسؤولية حماية المشروع القومي العربي من خلال تقديم أفكار واقعية واستراتيجيات عملية لمواجهة التحديات التي تستهدف الأمة. فالمؤتمر يجب ألا يتحول إلى منبر للخطابات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، بل إلى منصة لإنتاج دراسات فكرية واستراتيجية جادة.
ومن الجدير بالذكر أن معظم المشاركين في المؤتمر تحمّلوا نفقات السفر والإقامة على حسابهم الشخصي، كما قُدمت تبرعات من الأعضاء لتمكين المؤتمر من أداء مهامه. ونأمل أن تساهم الدول العربية مستقبلًا في دعم انعقاد المؤتمر القومي العربي في مختلف العواصم العربية، كما جرى في مؤتمرات سابقة في عمّان وتونس ومصر، حفاظًا على هوية المؤتمر واستمراريته بمشاركة نخبة فكرية وسياسية قادرة على النهوض بالأمة العربية المجيدة.
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}
عمران الخطيب
📧 Omranalkhateeb4@gmail.com








