كشف المجلس القومي لرعاية الطفولة في السودان عن تدهور خطير وغير مسبوق في أوضاع الأطفال بمنطقة بارا في ولاية شمال كردفان، محذرًا من أن ما يجري هناك يرقى إلى مستوى الكارثة الإنسانية. وأوضح المجلس أن الأسابيع الأخيرة شهدت انتهاكات جسيمة بحق الأطفال، في ظل سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة مجددًا منذ 25 أكتوبر الماضي، ما أدى إلى تصاعد وتيرة الجرائم ضد المدنيين، خصوصًا الفئات الأكثر ضعفًا.
أرقام مفزعة… 50 شهيدا و100 مفقود
وقال الأمين العام للمجلس، عبد القادر الأمين أبو، في تصريح لصحيفة سودان تربيون، إن تقارير موثوقة وثّقت استشهاد خمسين طفلًا واختفاء مئة آخرين، إضافة إلى اغتصاب أكثر من 25 طفلة على أيدي عناصر الدعم السريع خلال اقتحام المدينة. وأشار إلى أن فرق الرصد الميدانية سجلت أيضًا حالات تيه وفقدان لعشرات الأطفال أثناء فرارهم مع أسرهم في الطريق بين بارا والمويلح، وسط فوضى أمنية وغياب شبه تام لسلطات الحماية والرعاية.
نصف مليون طفل يواجهون التشرد والجوع
بحسب المجلس القومي لرعاية الطفولة، فإن عدد الأطفال الذين يعانون من التشرد وسوء التغذية في المنطقة تجاوز 500 ألف طفل منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023 وحتى اليوم. هذا الرقم الصادم يعكس حجم الكارثة التي ضربت النسيج الاجتماعي للسودان، حيث تحوّل الأطفال إلى الضحايا الأبرز للنزاع المسلح، في ظل تدهور المنظومة الصحية والتعليمية وتفشي الفقر والجوع. ويؤكد خبراء الإغاثة أن هذا الواقع يشكّل تهديدًا وجوديًا لجيلٍ كامل قد يُحرم من حقه في الحياة والتعليم والأمان، ما يفاقم احتمالات انهيار المجتمع السوداني في المستقبل القريب.
صدمات نفسية وندوب لا تُمحى
لم تتوقف المأساة عند حدود الأرقام؛ إذ أوضح الأمين العام للمجلس أن الأطفال الذين شهدوا عمليات القتل والاغتصاب بأعينهم يعانون من صدمات نفسية حادة تترك آثارًا طويلة الأمد على سلوكهم واستقرارهم النفسي. وأشار إلى أن كثيرًا من هؤلاء الأطفال فقدوا ذويهم أو فصلوا عن أسرهم أثناء عمليات النزوح القسري، مما جعلهم عرضة للاستغلال والعنف والإهمال. ويحذر مختصون في علم النفس من أن تلك الصدمات، إن لم تُعالج سريعًا، قد تتحول إلى جروح مجتمعية مزمنة تؤثر على السلام والاستقرار في السودان لعقود قادمة.
نداء عاجل لتدخل دولي وإنساني
دعا عبد القادر الأمين أبو إلى تدخل فوري من شركاء الطفولة والمنظمات الدولية لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتضررين، وتعزيز آليات الحماية والرعاية في مناطق النزاع. وأكد أن الوضع الراهن يتطلب تحركًا عاجلًا من المجتمع الدولي للضغط من أجل وقف الانتهاكات، وضمان محاسبة المسؤولين عنها، مشددًا على أن حماية الأطفال ليست قضية إنسانية فحسب، بل مسؤولية قانونية وأخلاقية تقع على عاتق العالم أجمع.
مأساة مفتوحة على المستقبل
تكشف شهادات المجلس القومي لرعاية الطفولة أن شمال كردفان أصبحت مرآة لمعاناة السودان بأسره، حيث تتقاطع الحرب مع الجوع، والخوف مع فقدان الأمل. وبينما تستمر الانتهاكات بلا رادع، تبقى الطفولة السودانية في مواجهة مفتوحة مع الموت والتشريد، في انتظار ضميرٍ دولي يتحرك قبل فوات الأوان.





