اعداد: منظمة البيدر للدفاع عن حقوق البدو والقرى المستهدفة
في ظل تسارع الأحداث الميدانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تتكشف فصول جديدة من مشروع استيطاني ممنهج يستهدف القدس ومحيطها الشرقي، حيث شرع مستوطنون إسرائيليون بإقامة بؤرة استيطانية جديدة على أراضي بلدة عناتا، قرب تجمعي أبو غالية والعراعرة، بالتوازي مع محاولات مشابهة في أراضي بلدات حزما وجبع شمال شرق القدس.
تأتي هذه التحركات في إطار مخطط E1 الذي تسعى إسرائيل من خلاله إلى ربط مستوطنة “معاليه أدوميم” بمدينة القدس، ما يعني عمليا قطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، وإحاطة القدس الشرقية بطوق استيطاني يخنق أي إمكانية مستقبلية لجعلها عاصمة لدولة فلسطينية مستقلة.
عناتا – حزما – جبع: الجغرافيا التي تحاصرها السياسة
تقع بلدات عناتا وحزما وجبع في المنطقة الممتدة بين شمال شرق وشرق القدس ومستوطنة “معاليه أدوميم”، في موقع استراتيجي يعتبر القلب الجغرافي للضفة الغربية.
هذه المنطقة تمثل المعبر الوحيد الذي يربط رام الله وشمال الضفة بـ بيت لحم والخليل جنوبا.
من هنا تأتي خطورة الأنشطة الاستيطانية الأخيرة، إذ أن إقامة بؤر جديدة في محيط عناتا وحزما وجبع تشكل استكمالا عمليا لمخطط E1 الذي يعتبر من أكثر المشاريع الإسرائيلية تهديدا لوحدة الأراضي الفلسطينية.
مخطط E1: المشروع الذي يفصل الجغرافيا ويقضم السيادة
مخطط E1، الذي تمتد مساحته على نحو 12 كيلومترا مربعا بين القدس و”معاليه أدوميم”، طرح منذ تسعينيات القرن الماضي، لكنه واجه اعتراضا دوليا واسعا نظرا لتأثيره الحاسم على الجغرافيا السياسية للضفة.
اليوم، ما يجري في عناتا وحزما وجبع هو تنفيذ تدريجي للمخطط عبر إنشاء بؤر استيطانية صغيرة غير معلنة رسميا، تتوسع لاحقا ويتم ربطها ببنية تحتية إسرائيلية من طرق التفافية ومعسكرات وحواجز.
هذه الخطوات تؤدي إلى عزل القدس الشرقية عن باقي الضفة الغربية، وتفصلها فعليا عن محيطها الفلسطيني، مما يحول القرى والتجمعات البدوية إلى جزر سكانية معزولة ومحاصرة.
الأثر الإنساني والاجتماعي: سكان يختنقون تحت الزحف
تعتمد التجمعات الفلسطينية في هذه المنطقة، خصوصا البدوية منها، على الزراعة والرعي كمصدر عيش رئيسي.
ومع تصاعد النشاط الاستيطاني، يتم منع سكان عناتا وحزما وجبع من الوصول إلى أراضيهم، ويتم مصادرة مساحات واسعة تحت مسميات “أراضي دولة” أو “مناطق تدريب عسكري”، فيما تتعرض المنازل والمنشآت للهدم بحجة البناء غير المرخص.
هذه الممارسات تمثل تهجيرا قسريا تدريجيا يهدف إلى تفريغ المنطقة لصالح التوسع الاستيطاني، في خرق واضح لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر نقل السكان أو تهجيرهم في الأراضي المحتلة.
الأبعاد السياسية: نهاية واقعية لحل الدولتين
تجسد منطقة E1 بما يجري فيها اليوم نقطة اللاعودة في مسار حل الدولتين. فإذا اكتمل الربط بين القدس ومعاليه أدوميم عبر عناتا وحزما وجبع، ستقسم الضفة الغربية إلى شمال وجنوب منفصلين جغرافيا، ولن يتبقى للفلسطينيين سوى طرق التفافية طويلة ومحاصرة بالحواجز والمستوطنات.
هذا الواقع يجعل قيام دولة فلسطينية ذات تواصل جغرافي مستحيلا من الناحية العملية، ويحول السلطة الفلسطينية إلى إدارة محلية متناثرة داخل “كانتونات” مفصولة.
وقد أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري (يوليو 2024) أن هذه السياسات تمثل خرقا خطيرا للقانون الدولي، وتنسف أي أساس لتسوية عادلة.
التوصيات
1. توثيق وتحديث الخرائط الميدانية:
إعداد خرائط رقمية تُظهر الترابط بين البؤر الجديدة في عناتا وجبع وحدود مخطط E1 لتكون أداة بيد المؤسسات الحقوقية والدبلوماسية في المحافل الدولية.
2. التحرك الدولي العاجل:
دعوة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لاتخاذ موقف عملي لوقف العمل في E1 وفرض تجميد فوري للبناء في المناطق الاستيطانية شرق القدس.
3. حماية التجمعات البدوية:
تقديم دعم قانوني وإنساني عاجل للعائلات المهددة بالترحيل، وتمويل مشاريع صمود محلية تحافظ على وجودها في أراضيها.
4. تفعيل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية:
الاستفادة من قرار المحكمة الأخير كمرجعية قانونية والمطالبة بفرض عقوبات على الجهات والشركات المشاركة في البناء داخل المناطق المحتلة.
الخاتمة
ما يجري اليوم في عناتا وحزما وجبع ليس حدثا معزولا، بل جزء من معركة جغرافية محسوبة تهدف إلى إعادة رسم خريطة الضفة الغربية وفق المصالح الإسرائيلية.
فالبؤر التي تقام بصمت تحت حماية الجيش، تشكل نواة لممر استيطاني يفصل شمال الضفة عن جنوبها، ويعزل القدس عن محيطها الفلسطيني.
بهذا، تتحول الأرض شيئا فشيئا إلى فسيفساء من الكتل السكانية المحاصرة، فيما يتآكل الحلم الفلسطيني بدولة مستقلة على الأرض والواقع.
ومع كل بركس جديد ينصب في عناتا وحزما أو جبع، يغرس مسمار جديد في نعش حل الدولتين، وتتعزز الحاجة إلى تحرك حقوقي ودولي عاجل يوقف هذا الانهيار الجغرافي قبل أن يصبح غير قابل للرجوع.






