السياسي – المصري اليوم
يبدو أن أمام الأمريكيين سنوات طويلة قبل أن يغلقوا الستار على فضيحة الملياردير جيفري إبستين، الذي أدين بجرائم جنسية، فقبل أيام أفرج الديمقراطيون عن وثائق جديدة بأسماء جديدة من المتورطين في علاقة بإبستين دون أن يكون ذلك مرتبطاً بجرائم جنسية. وشملت الوثائق أسماء كُتاب وملياردير وخبراء قانونيين وعلاقات عامة، دفعة جديدة من كريمة المجتمع الأمريكي. ولكن الأهم بالطبع كان تكرار اسم الرئيس الأمريكي ترامب الذي رد بالهجوم، وأعلن أنه سيطلب الكشف عن علاقة بعض خصومه من الديمقراطيين بإبستين.
تنبأ الكثير من المتابعين بأن تكون نهاية ترامب السياسية على يد إبستين، وأن يطيح الملياردير المنتحر بالرئيس الأمريكي، خاصة أنه لا يزال هناك آلاف الأوراق لم يتم الكشف عنها، وذلك وسط مطالبات برفع السرية عن هذه المستندات التي قد تطيح بالرئيس وشخصيات أخرى. ولكن سواء كانت نهاية ترامب على يدي إبستين أو لسبب آخر فإن فضيحة إبستين قد أصابت بعنف ما هو أهم من مصير رئيس أمريكي.
على الجانب الآخر من المحيط، هددت الفضيحة الملكية البريطانية الراسخة، واضطر الملك تشارلز إلى طرد شقيقه أندرو، المتورط في الفضيحة، من الأسرة المالكة، وذلك في إجراء لم يحدث من أكثر من 600 عام.
وفي أمريكا ساهمت الفضيحة في تشويه النمط الرأسمالي لأن علاقات إبستين كانت متشعبة لدرجة مخيفه وفي جزيرته اختلط الجنس القذر بالتخفيضات الضريبية باستخدام ثغرات قانونية.
كان الحكوميون والمشرعون ورجال الأعمال وكبار النجوم في سفينة واحدة. بسبب علاقته بإبستين خسر الملياردير بيل غيتس سمعته وزوجته. وكان مجتمع إبستين يثير السخط على الجميع، ديمقراطيين وجمهوريين، خاصة الأثرياء ورجال الأعمال.
بسبب الفضيحة الجنسية والجرائم المتصلة بها انكشفت أمام المجتمع الأمريكي علاقات متشابكة بين المال والسلطة، وكان أصدقاء وضيوف ومعارف إبستين من التعدد والكثرة والتشعب على نحو يجعل الأمر قاعدة وليس مجرد استثناء أو حادثة فردية. بالتأكيد هناك أسماء لم تطلها الفضيحة، ولكن لم يعد أحد بمنأى عن دائرة إبستين خاصة بعدما كُشفت علاقاته المالية بأستاذ علم اللسانيات والفيلسوف الأمريكي (نعوم تشومسكي) الذي اعترف بأنه استفاد من نصائح إبستين المالية.
وكانت القائمة الأولى من الشخصيات التي اجتذبها إبستين لعالمه دون ربط بالجرائم الجنسية شملت أكاديميين بارزين في الكيمياء والفيزياء، ومنهم حائزو جوائز.
وهذه فرصة هائلة للاشتراكيين الديمقراطيين من الطبقة المتوسطة لحصد مناصب بدأت بمنصب العمدة، ولكنها قد تصل إلى البيت الأبيض فيما بعد.
وبعد فوز ممداني بمنصب عمدة نيويورك فازت اشتراكية أخرى بمنصب عمدة سياتل. هذا مناخ يجتمع فيه ضعف القوى الشرائية للمواطن الأمريكي ومصاعب اقتصادية وتراكم ثروات هائل وغير مسبوق وفضيحة إبستين بتجمع الثروة والسلطة في جزيرة العار.. كل ذلك عوامل تدفع بالاشتراكيين الديمقراطيين الصاعدين من قلب طبقة متوسطة دفعت ثمناً باهظاً من حقوقها ومكانتها.
أصبح الحديث عن زيادة الضرائب على الأثرياء والشركات وتوزيع الأعباء على الجميع لا على العمال والطبقة المتوسطة فقط هو القاسم المشترك في خطابات المرشحين الاشتراكيين في انتخابات العمد، وهذا الخطاب يفوز ويكتسح، سواء كان المرشح رجلاً أم امرأة، مسلماً أم ملحداً، مسيحياً مهاجراً أم أبيض.
اليسار وصل أمريكا بعد أن انتزع بعض الأنظمة الأوروبية ولكنه مجمد في مصر، لم تصل لنا دعوات وصيحات التغيير من قلب الرأسمالية الأمريكية، لماذا لم يستطع اليسار المصري، رغم تشابه الظروف أو بالأحرى المعاناة، أن يزدهر في مصر؟
سؤال مهم يحتاج إلى مقالات أخرى للإجابة عنه.






