كواليس اجتماع السنوار وقادة القسام الذي تقرر فيه طوفان الأقصى.. الجزء الرابع

كتب: علاء مطر

الجزء الرابع.. خلافات حماس من السياسة إلى العسكر

 

تعيش حركة حماس خلال الفترة الأخيرة حالة من التململ الداخلي الكبير، حيث يرى تيار البراغماتيين بقيادة خالد مشعل أن عملية السابع من أكتوبر لم تحقق أي من أهدافها المعلنة، ناهيك عن الخسائر البشرية والمادية الكارثية التي خلفتها، سواء على الشعب والقضية الفلسطينية أو على التنظيم نفسه، فيما يرى تيار الصقور بقيادة خليل الحية أن الطوفان كان خطوة ضرورية لمواجهة ما يحاك لتصفية القضية الفلسطينية وحركة حماس على حد سواء.

 

هذا الأمر فتح أبواب الخلاف على مصراعيه داخل الحركة، وأصبح هناك انقسام وتصدع داخلي غير مسبوق في صفوف القيادة، في ظل تغير موازين القوة داخل الحركة بعد انهيار البنية القيادية المتشددة في غزة وصعود شخصيات كانت مهمشة في السابق، وحسب مصادر خاصة، سأنشر لأول مرة ما حدث في عدة اجتماعات لقيادة حماس سواء قبل الطوفان أو بعدها، وتوضيح حالة التصدع والانشقاق، وخصوصا بعد توقيع قيادة الحركة في الخارج على خطة ترامب لتحقيق السلام والتي تشمل نزع سلاح حماس، وهي النقطة التي ستكون لغما يدمر الحركة.

 

قبيل طوفان الأقصى، عقد اجتماع سري لقيادة المجلس العسكري لحماس مع رئيسها في قطاع غزة يحيى السنوار، لمناقشة خطة العملية العسكرية والسيناريوهات المتوقعة وموعد تنفيذ العملية الكبرى واسمها وجميع تفاصيلها، خصوصا بعد تهيئة قوات النخبة في كل المناطق وانتهائهم من مناورات “الركن الرشيد 1 و 2″، وهي محاكاة لما حدث يوم العملية.

 

حضر الاجتماع يحيى السنوار قائد الحركة في غزة، وقائد القسام محمد الضيف، ونائبه مروان عيسى، وقادة الألوية: أحمد الغندور لواء الشمال، وأيمن نوفل لواء الوسطى، وعز الدين الحداد لواء مدينة غزة، ورافع سلامة لواء خانيونس، ومحمد شبانة لواء رفح، بالإضافة إلى قادة الأركان: رائد سعد ركن التصنيع، ومحمد السنوار ركن العمليات، وغازي أبو طماعة ركن الأسلحة والخدمات القتالية، ورائد ثابت قائد ركن القوى البشرية.

 

استهل السنوار الاجتماع، وبدأت المشاورات والنقاشات حول أكبر عملية عسكرية ستغير وجه الشرق الأوسط، كان الجميع متفقا على ضرورة تنفيذ عملية كبيرة وقوية، لكن الخلاف كان مع قائد الوسطى أيمن نوفل.

 

وخلال الاجتماع، وجه السنوار السؤال إلى نوفل، كونه كان يشغل في حينها منصب قائد ركن الاستخبارات في القسام، حول السيناريوهات المتوقعة ورد الفعل الإسرائيلي عليها.

 

كان أبو أحمد نوفل يملك عدة سيناريوهات حسب القراءة الاستخباراتية الدقيقة، السيناريو الأول هو اقتحام بعض المواقع العسكرية، موقعين أو ثلاثة، من الشمال والوسطى والجنوب، واعتقال عشرة جنود، مع الأربعة الموجودين بحوزة الحركة، لتحريك ملف الاسرى، ورد الفعل الاسرائيلي حينها سيكون تصعيدا لأيام مثل ما حدث سابقا في أسر جلعاد شاليط.

الجزء الثالث: انشقاقات حماس بين “المحررين” و “البراغماتيين”

أما السيناريو الثاني فهو اقتحام عدد من المواقع العسكرية وبعض الكيبوتسات في غلاف غزة، بحيث يتم أسر جنود وبعض المستوطنين ليكون ذلك عامل ضغط على الحكومة الإسرائيلية لعقد صفقة تبادل، لكن الرد الإسرائيلي سيكون أقوى من السيناريو الأول، مع الحفاظ على الحركة أو القطاع من أي خطر.

 

أما السيناريو الثالث والأخير، حسب نوفل، فهو اقتحام غلاف غزة بالكامل، وإسقاط فرقة غزة في جيش الاحتلال، وقتل واعتقال أكبر قدر من الجنود والمستوطنين، وتبييض سجني عسقلان والنقب من الأسرى، حينها فرح الحضور بمقترح السيناريو الثالث، لكن سرعان ما تلاشت الابتسامة عندما تحدث نوفل عن رد الفعل الإسرائيلي المتمثل في إسقاط حكم حماس وانهيار الحركة تنظيميا، وربما إعلان حرب شاملة، لذلك فضَّل نوفل السيناريو الأول لتجنب انهيار الحركة وتدمير القطاع.

 

وبين صمت الحضور، قال السنوار ضاحكا وملوحا باصبعه: أنا مع السيناريو الثالث، فيه ننقل معركتنا إلى الغلاف، ونأسر أكبر عدد من الأسرى، ولن تستطيع إسرائيل شن عدوان كبير ما دام أسراهم لدينا في غزة، وعددهم سيكون بالمئات أو الآلاف، سنُبقي قوات النخبة في الغلاف تتلقى دعما متواصلا حتى يستجيبوا لمطالبنا، ونبيض السجون نهائيا، وتكون حماس في نظر العالم هي المحررة لفلسطين مستقبلا.

 

واستكمل السنوار حديثه قائلا: أنا قضيت أكثر من عشرين عاما في سجون الاحتلال، وأعرف كيف سيفكرون، هم لن يقصفوا غزة وأسراهم بين ايدينا، سنعقد صفقة تبادل لن يشهدها التاريخ، وبعد العملية سنلغي شيئا اسمه مصلحة السجون الإسرائيلية، وليحولوا السجون إلى صالات تنس، ويعم الاجتماع الضحك.

 

هذا الكلام لم يعجب أبو أحمد نوفل، لأنه يعلم بحكم عمله في استخبارات القسام أن هذا الكلام غير واقعي، وإنما شعارات تُقال في المسيرات والمؤتمرات، وهنا وقع الخلاف ليرد عليه أبو إبراهيم السنوار: سأبقيك في لواء الوسطى، لكن سأسحب منك ركن الاستخبارات لأن نظرتك غير بعيدة ولا استراتيجية، وتم إسناد المنصب إلى ” م. ر. ” عقب الاجتماع.

وجاء رد الضيف: نعم، يجب تصحيح المسار. ممكن أن نتقدم ويكون نوع من المبادرة، لنغير مجرى التاريخ كله، ونحقق يوما من أيام الله، نرفع فيه الرايات ونبيض السجون.

وقف مروان عيسى محتدا، مذكرا بمعركة سيف القدس عام 2021، حيث انتفضت الضفة والداخل المحتل، مؤكدا أن الضغط سيجعل إسرائيل تستنجد بالوسطاء بعد أسبوع من العملية، مع ضرورة ربط اسم العملية بالأقصى يكون لها صدى ويوحد الجماهير.

 

وعند سماع النقاشات، قرر السنوار بكل ثقة: يتوجب علينا القيام بهذه العملية في أسرع وقت، وتم التصويت وفق مبدأ الشورى، 12 صوتا، باستثناء أيمن نوفل الذي رفض السيناريو الثالث، فكان رأي الأغلبية راجحا، وتقرر تنفيذ طوفان الأقصى بعد ذلك.

 

انتهى الاجتماع، وتوالت بعده اجتماعات أخرى دون استدعاء أبو أحمد نوفل، خاصة الاجتماع الذي سبق العملية بيوم واحد، ولم يتم تبليغه إلا قبل التنفيذ بساعتين، ولهذا كان لواء الوسطى الأقل فعالية في العملية، ودخل عناصره مناطق الغلاف متأخرين، وكان معظم الشهداء المحررين في الصفقة من الوسطى لأن دخولهم جاء متأخرا تحت نيران القصف، والأكثر إثارة أن أبو أحمد نوفل كان أول من اغتالته إسرائيل في السابع عشر من أكتوبر، ويعرف عناصر القسام في الوسطى أنه تم التضحية به، لذلك عندما دخل جيش الاحتلال خانيونس، اتجه السنوار إلى رفح، ولم يختر المنطقة الوسطى مثلا خوفا من خيانته، لانه ضحى بأيمن نوفل – وقسام الوسطى يعرف ذلك – وبهذا وقع أول انشقاق في المجلس العسكري لكتائب القسام في العهد الحديث.

 

أما عن الانشقاقات التي تحدثت عنها في ثلاثة مقالات سابقة، فقد جعلت السنوار وتيار الصقور لا يبلغون القادة البراغماتيين في الخارج بأي معلومة، لأنهم من وجهة نظر السنوار سهل اختراقهم، وبسبب وسيطرت تيار الصقور وتهميش مشعل وتياره “الواقعي” إلى أسوأ درجة منذ ذلك الوقت، ثم جاءت الحرب وكشفت حقيقة الانشقاقات والخلافات، وتقلبت موازين القوة، وعادت الدفة إلى قيادة حماس الخارج، وتم تهميش حماس غزة، مع مطالبتهم باعادة تقييم مسارهم كاملا،، وللحديث بقية، وما خفي كان أعظم.