تواردت الأنباء حول غضب أقطاب داخل الإدارة الأميركية وتوجيه انتقادات سياسية لحكومة بنيامين نتنياهو بشأن عدم تعاطيها مع واقعية نظام أحمد الشرع، واستمرارية تبني مقاربات عسكرية وأمنية من شأنها إضعاف نهج دمشق؛ الداعي إلى صيغ استقرار وتعايش ضمن المنظومة العربية الساعية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط، مما حدا بالرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التأكيد على أهمية أن تحافظ إسرائيل على حوار قوي وحقيقي مع سوريا.
بنظرة أكثر دقة، انتهى الصراع في المنطقة بهزيمة المحور الإيراني؛ الذي سيطر سابقًا – بتفاخر القائمين عليه – على أربع عواصم عربية، ليصار إلى اتفاق بين لاعبين إقليميين ودوليين يتمحور حول طي صفحة الماضي؛ بإنهاء الحالة الميليشياوية التي عاثت بالمنطقة من خلال استحداث دوائر عنف وفوضى عبر رهن قراري الحرب والسلم وتسخيرهما ضمن أجندات ومساعي نظام الملالي في طهران، واسترجاع دور الدول الوطنية داخل لبنان وسوريا واليمن والعراق والأراضي الفلسطينية المحتلة ضمن معيار السلطة الشرعية الواحدة ذات السلاح الواحد.
اليوم تقف الإدارة الأميركية أمام معضلة لن تستطيع تجاوزها دون تحديد سقف السعي التركي الدؤوب للاستحواذ على تركة المحور الإيراني في ساحتين هما سوريا وغزة، وهو ما يقلق تل أبيب التي تعمل على رسم خطوط مناطق عازلة في الجنوب السوري لضمان حماية أمنها، ومنع اشتراك أنقرة ضمن القوات الدولية المراد نشرها في القطاع.
بعيدًا عن الطموحات التركية في خلق نفوذ داخل القطاع يساعد نفوذها على الأراضي السورية؛ فإن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية ستصطدم بجدار الواقعية السياسية العربية؛ الدافعة بجدية لتحقيق الاستقرار ضمن قواعد السلام المستندة إلى توسعة رقعة الاتفاقيات الإبراهيمية، والتي ستحقق التعايش السلمي والازدهار بين شعوب المنطقة ضمن إطار حل الدولتين، فلا إنكار لحق الشعب الفلسطيني في دولتهم المستقلة التي تعيش بأمن بجانب دولة إسرائيل. وهو ما يتطلب من بنيامين نتنياهو إعادة النظر في تحالفاته الائتلافية، خاصة وأن استحقاقًا انتخابيًا مقبلًا سيعيد تشكيل المشهد السياسي الإسرائيلي، وسيضمن لنتنياهو البقاء في منصبه بعد أن تحرر من الملاحقة القانونية عبر تقديمه طلب عفو بدعم مباشر من الرئيس ترامب.
إسرائيل تحتاج إلى جبهة داخلية قوية ومستقرة في الكنيست قادرة على فرض السلام من خلال الاستفادة من عاملين مهمين؛ الأول: وجود قوة دفع عربية وأوروبية تطالب باستكمال مسار السلام الذي بدأ باتفاق أوسلو ومن ثم الاتفاقيات الإبراهيمية، والعامل الثاني: حضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الساحة الدولية وقدرته على إيصال أطراف الصراع إلى تسوية سياسية جامعة.
تحاشي نظام الشرع الانجرار نحو مربع التمادي الإسرائيلي، وتمكن الرئيس جوزاف عون وحكومة نواف سلام من العبور بلبنان إلى ما بعد حقبة حزب الله، وشروع السلطة الفلسطينية في عملية إصلاحية منسجمة مع رؤية عربية أوروبية قادتها دبلوماسية المملكة العربية السعودية، ضمن تفاهمات مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تضع إسرائيل وتُهيِّئ حكومتها القادمة لدور مستقبلي ترسمه الولايات المتحدة للمنطقة. دور يحتاج ابتعاد نتنياهو (الباقي مستقبلًا في منصب رئيس الوزراء) عن اليمين المتطرف والعودة إلى الوسط، متحررًا من سطوة المتطرفين والملاحقات القضائية، بالتزامن مع عملية إعادة تأهيل وتهيئة سوريا ولبنان والسلطة الفلسطينية.
عن العرب اللندنية





