اغتيال الطفولة الفلسطينية

كتب بهاء رحال

 

قبل أن تنفضَّ جماهيرُ المشيِّعين للفتى الشهيد عمار الصباح، ابن الستة عشر عامًا، الذي قُتل برصاص قنّاص من جنود الاحتلال، التحق بركبه الفتى الشهيد مهيب جبرين، الذي أيضًا قضى برصاص قنّاص مستوطن متمرّس على القتل. استُشهدا وهما في ريعان شبابهما الأول، واغتالتهما رصاصات الاحتلال تباعًا قبل أن يكبرا، وهذا كله يأتي بالتزامن مع المأساة المستمرة التي لا يزال يعيشها الناس في غزة، وسط العراء ومشاهد الغرق بمياه الأمطار التي عصفت بهم، فتطايرت الخيام وغرق الناس في وحل الأيام وطين الإبادة.

طفولةٌ يغتالها الاحتلال قبل أن تكبر، وفتيةٌ بعمر الورد يتعرّضون لرصاصات القنّاصة الذين يحيطون بالبلدة من كل الجهات، وهذا حال بلدة تقوع كحال الكثير من البلدات الفلسطينية في الضفة التي تتصاعد فيها عمليات القتل والاعتداءات، وترتفع وتيرة الأحداث بفعل شيطنة المستوطنين وسياسات التضييق والخنق، التي تتبعها سلطات الاحتلال في كل مدينة وكل بلدة وكل مخيم.

تقوع الواقعة على كتف بيت لحم الشرقي، يعاني سكانها شرَّ الاحتلال والمستوطنين، وهم يتعرّضون بشكلٍ مستمر للتنكيل والقتل ولإرهابٍ متصاعد، فعلى أراضي البلدة الوادعة التي سرقوها ليقيموا مستوطنة تتمدّد وتتوسّع على حساب أراضي الناس، ومن وسط أرضها شُقَّت الطرق الالتفافية لتخدم حركة سير المستوطنين، وعلى مداخل البلدة بوابات وجنود مدجّجون بالعتاد والسلاح، ومعبؤون بالأحقاد، يترصّدون خطوات الطفولة، ويغتالونها قبل أن تكبر.

إن التصعيد المتواصل في الضفة الفلسطينية من شمالها حتى جنوبها، والقرارات المتعلقة بالاستيطان ومصادرة الأراضي، والإغلاقات اليومية المستمرة، وترويع حياة الناس،

وخنقهم سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وحياتيًا، وهذا يأتي بالتزامن مع قرارات الاحتلال وسياساته الرامية إلى قضم وضم أراضي الضفة الفلسطينية، فلا يكاد يمر يوم دون مصادرة، ودون أوامر هدم لبيوت الفلسطينيين، ودون زحف استيطاني عبر بناء الوحدات الاستيطانية وإنشاء مستوطنات جديدة.

فوق التلال وعلى رؤوس جبال الضفة الفلسطينية تقف المستوطنات لتقطع كل وصل وكل تواصل بين المدن والبلدات والقرى، تتمدد وتتوسع في كل الجهات، وتقضم الأرض وتهدد حياة الناس بالقتل والموت والإرهاب، فهذه عقيدة المستوطنين الأغراب الذين يحتمون بسياسات حكومة التطرف والإرهاب، ويمارسون كل أشكال العربدة تحت حراسة مباشرة من جيش الاحتلال.

آخرُ صلاةٍ
نطقَ بها، في وجه
الغزاةِ القادمين لذبحِ البلاد،
كانت لزيتونةِ الوادي…