السياسي – بين الذاكرة الوطنية والتحولات الدولية، تحل ذكرى اليوم الوطني لدولة قطر في الثامن عشر من كانون الأول/ ديسمبر، في لحظة تتقاطع فيها السياسة بالاقتصاد، والدبلوماسية بالتنمية، والهوية المحلية بالدور العالمي. المناسبة التي ترتبط بتاريخ تأسيس الدولة عام 1878، تتحول سنوياً إلى نافذة لقراءة موقع قطر في نظام دولي متغير، حيث لم تعد الدول تُقاس فقط بحجمها الجغرافي أو السكاني، بل بقدرتها على المناورة، وبناء النفوذ، وتوظيف الموارد السياسية والاقتصادية والرمزية.
خلال عام 2025، واصلت قطر ترسيخ حضورها في ملفات سياسية معقدة، جعلت من عاصمتها نقطة التقاء لمسارات تفاوضية متعددة. واستضافت الدوحة قمماً ومؤتمرات دولية، واحتضنت حوارات تتعلق بقضايا نزاع إقليمي ودولي، في وقت شهدت فيه المنطقة تصعيداً غير مسبوق، خاصة على خلفية الحرب في غزة وتداعياتها السياسية والإنسانية.
وبرزت قطر كطرف مشارك في جهود التهدئة وإدارة الأزمات، وهو دور يُقرأ دوليا باعتباره استثمارا سياسيا طويل الأمد في القوة الناعمة، أكثر من كونه تدخلا مباشرا في موازين القوى الصلبة. اقتصاديا، دخلت قطر عام 2025 في ظل ظروف دولية معقدة، تتسم بتباطؤ النمو العالمي، وتقلبات أسعار الطاقة، واضطرابات سلاسل الإمداد. ورغم ذلك، حافظ الاقتصاد القطري على مؤشرات استقرار نسبي، مدفوعا بعائدات الطاقة، والاستثمار الحكومي، واستمرار مشاريع البنية التحتية.
تقارير دولية، من بينها البنك الدولي، أشارت إلى نمو متوقع للناتج المحلي الحقيقي، مع استمرار قوة القطاعات غير النفطية، وهو ما ينسجم مع الخطط المعلنة لتنويع الاقتصاد.
ويبرز قطاع الغاز الطبيعي المسال كعنصر محوري في هذا المشهد، حيث تواصل الدولة تنفيذ مشاريع توسعة ضخمة من شأنها تعزيز موقعها في سوق الطاقة العالمي خلال السنوات المقبلة.
في موازاة ذلك، أُقرت موازنة عامة للعام المالي 2026 بإيرادات ومصروفات تعكس توجها نحو الإنفاق التنموي، خاصة في مجالات التعليم، الصحة، والبنية التحتية. القراءة الدولية لهذه الأرقام تشير إلى محاولة تحقيق توازن بين الاستدامة المالية والحفاظ على مستويات إنفاق تدعم النمو الداخلي.
على الصعيد الداخلي، تبرز السياسات الاجتماعية والتعليمية كجزء أساسي من السردية القطرية حول التنمية. خلال العام الحالي، شهدت البلاد تعديلات تشريعية في مجال الموارد البشرية، وإطلاق مبادرات تستهدف تعزيز مشاركة المواطنين في القطاع الخاص، إلى جانب استمرار الاستثمار في التعليم العالي والبحث العلمي.
و سجل القطاع الصحي حضورا لافتا في المؤشرات الدولية، مع تقدم في تصنيفات الرعاية الصحية، وهو ما يعكس توسعا في البنية التحتية الطبية، وتحديثا في الخدمات.
كما برز ملف الأمن الغذائي كأحد الأولويات، في ظل إدراك متزايد لمخاطر الاعتماد على الخارج، خاصة بعد أزمات عالمية متلاحقة.
في المجال البيئي، دخلت مشاريع الطاقة الشمسية حيز التنفيذ، ضمن توجه أوسع نحو تنويع مصادر الطاقة وتقليل الانبعاثات. هذه الخطوات وإن كانت تدريجية، تُقرأ في سياق الضغوط الدولية المتزايدة على الدول المصدرة للطاقة الأحفورية.
رياضيا وثقافيا، واصلت قطر توظيف البنية التحتية التي أنشأتها خلال السنوات الماضية عبر استضافة بطولات وفعاليات دولية، ما يعزز حضورها الرمزي ويعيد تدوير استثمارات ضخمة في صورة نفوذ ناعم.





