مشروع “شروق الشمس” في قطاع غزة: إعادة الإعمار على المقاس الأمريكي-الاسرائيلي وهندسة الواقع الجيوسياسي

بروفيسور عوض سليمية

باحث في العلاقات الدولية

كشفت صحيفة وول ستريت جورنال في عددها الصادر أمس 19 كانون اول/ديسمبر النقاب عن تفاصيل مشروع أمريكي طويل الامد تحت مسمى “شروق الشمس” Project Sunrise. مكون من اربعة مراحل؛ تم تطويره من قبل مبعوث الرئيس ترامب، ويتكوف وصهره كوشنير؛ وعرضه على عدد من الدول العربية والاجنبية. “شروق الشمس” هي خطة تبلغ تكاليفها 112.1 مليار دولار تستمر على مدار 20 عاماً لإعادة إعمار قطاع غزة؛ تلتزم فيها واشنطن بأن تكون ‘مرساة’ تدعم ما يقرب من 60 مليار دولار/20% من المنح والضمانات على الديون لـ ‘جميع مسارات العمل المخطط لها’ في تلك الفترة الزمنية”؛ الى جانب مشاركة فاعلة من البنك الدولي. وتتوقع الخطة أن تتمكن غزة من تمويل العديد من المشاريع بنفسها بعد مرور عقد على بدء التنفيذ، وأن تسدد غزة ديونها في نهاية المطاف.

يقول التقرير إن كوشنر وويتكوف ومساعد كبير في البيت الأبيض جوش غرونباوم ومسؤولين أمريكيين آخرين وضعوا الاقتراح خلال الـ 45 يوماً الماضية؛ وتلقوا مساهمات من مسؤولين إسرائيليين وأشخاص في القطاع الخاص ومقاولين. تتضمن الخطة العشرينية أربع مراحل لإعادة الإعمار بعد نزع سلاح حماس، بما يشمل [إزالة الانقاض والمتفجرات، توفير الخدمات الانسانية، بناء البنية التحتية الاساسية، والمرحلة العمرانية للمدينة الذكية].

تصور إحدى الشرائح التي تم عرضها على المانحين المفترضين مدينة “رفح المتجددة” باعتبارها المركز الإداري الجديد لقطاع غزة. وفقاً للتقرير، سيتم تنفيذ خطة “شروق الشمس” على اربعة مراحل تبدأ في إعادة الاعمار من الجنوب، مدينة رفح وخان يونس، ثم المخيمات الوسطى، وتنتهي بمدينة غزة. الى جانب استثمار 70% من ساحل القطاع وتحويله الى منطقة جذب استثماري قادراً على ان يصبح مصدراً للدخل بعد 10 سنوات من بدء التنفيذ. ونقلت الصحيفة عن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قوله: “نحن على ثقة تامة بأننا سنجد مستثمرين لترميم وتوفير كل الدعم الإنساني على المدى الطويل”.

تتصور الخطة المكونة من 32 صفحة -ما تم تسميته “المنتجع الكبير”؛ قطاع غزة كمدينة ذكية عالية التقنية، تضم منتجعات سياحية فاخرة على شاطئ البحر، وسكك حديد لقطارات سريعة ومجمعات تقنية تعمل بالذكاء الصناعي وبنية تحتية فائقة الجودة، تم عرض مشاهد مفترضة منها على شرائح امام عدد من الدول المانحة المفترضة العربية والاجنبية والمستثمرين المحتملين. لكن المشروع المقترح لم يحدد مصير قرابة مليوني مواطن فلسطيني ما زالوا يقيمون في القطاع؛ الى جانب جنسيات الشركات المتوقع مساهمتها في تنفيذ الخطة.

الوجهة الفاخرة التي تتحدث عنها خطة كوشنير وويتكوف المعنونة “شروق الشمس”، هي في الواقع استحضار لخطة ترامب الغريبة “ريفييرا الشرق الاوسط” لإحلال “السلام” في المنطقة، التي أعلن عنها في وقت سابق من هذا العام 2025؛ وتمت صياغتها بمشاركة كوشنير وبلير. والتي تُصور كامل قطاع غزة كمنطقة مُدمرة ولا تصلح للحياة البشرية؛ وتقترح مغادرة مواطني القطاع لدول اخرى للأبد. على ان تقوم إدارة ترامب بالاستثمار في استصلاح القطاع وإعادة بناءه؛ وبالتالي امتلاكه دون استشارة من يملكه؛ وفقاً للقاعدة السائدة في عالم ريادة الاعمال الامريكية الجديدة التي تقول “إذا انت اصلحته فهو ملك لك”.

خطة “شروق الشمس” ليست مستغربة، وتناولتها وسائل الاعلام مؤخراً بكثافة؛ من خلال تسريبات متقاطعة تؤكد وجود تصورات متقدمة لدى الادارة الامريكية وحكومة اليمين في اسرائيل؛ تهدف الى فرض مسار لإعادة الاعمار؛ يُدار وفق أجندات سياسية وأمنية تتجاوز السيادة الوطنية الفلسطينية وتُعيد تشكيل القطاع وفقاً لاعتبارات تخدم مصالح الطرفين، لا متطلبات التعافي الفلسطيني الحقيقي، تبدأ من مدينة رفح “النموذجية” (الايواء المؤقت). في هذا السياق، اشار رئيس الاركان زامير بوضوح في تصريحاته الى ان “الخط الاصفر يمثل الحدود الجديدة بين اسرائيل وغزة” ووصفه “خط دفاع أمامي للمستوطنات وخط هجوم”. كما يمكن العثور على اجزاء من هذه الخطة؛ في تصريحات نائب الرئيس الامريكي جي دي فانس وصهر الرئيس جاريد كوشنير خلال زيارتهم لاسرائيل اواخر اكتوبر “الولايات المتحدة واسرائيل ستبدآن العمل على إعادة بناء شرق غزة فقط؛ في حال رفضت حماس تسليم السلاح”. وقد أصبح مصطلح غزة الشرقية وغزة الغربية او غزة الجديدة؛ من بين المصطلحات التي يجري تداولها من قبل المبعوثين والدبلوماسيين في إدارة ترامب مؤخراً.

ما تتحدث عنه المخططات المضطربة لإدارة ترامب سواء “ريفييرا الشرق الاوسط”؛ “غزة الشرقية وغزة الغربية” واخيراً وليس آخراً خطة “شروق الشمس” الامريكية…؛ كلها مخططات تحوم في سياق عملية إعادة تشكيل الشرق الاوسط وفقاً للمصالح الاسرائيلية. ويمكن تقييم مخاطرها على مستقبل القضية الفلسطينية دون لمسها برؤوس الاصابع، فهي (1) مخالفات صريحة ليس فقط مع ما نص عليه قرار مجلس الامن الدولي الاخير رقم 2803 والذي حدد فترة زمنية لا تتجاوز مدة عامين لهذا الوضع الاستثنائي في القطاع بعد الحرب، ومن المفترض ان تنتهي بعودة السلطة الوطنية الفلسطينية للحكم والادارة في قطاع غزة. وانما (2) تتعارض ايضاً مع نص خطة ترامب لانهاء الحرب؛ والتي تنص في إحدى محاورها على وجوب “انسحاب الجيش الاسرائيلي من كامل قطاع غزة”؛ بالإضافة الى ذلك (3) تتجاهل هذه المخططات جميع القرارات الدولية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية والتي تخطت حاجز الالف قرار وبيان، الى جانب (4) المخالفة الصريحة للاتفاقيات الموقعة بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية والتي اكدت على وجوب انسحاب اسرائيل كدولة إحتلال من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

في الواقع، تهدد مخططات إدارة ترامب التي يجري الترويج لها، السيادة الفلسطينية على قطاع غزة، فهي لا تربط إعادة الاعمار بعودة السلطة الفلسطينية كجهة وطنية مسؤولة عن الارض والشعب، كما تنفرد في تحديد مستقبل القطاع باعتباره منطقة جذب استثماري وليس قضية صراع سياسي. وتُبقي مخاطر التهجير القسري نتاج التغيير الديموغرافي على الطاولة. هذا يستدعي تحركاً عاجلاً من قبل الوسطاء؛ الى جانب اعضاء مجلس الامن الدولي وسائر الاطراف في المجتمع الدولي، لوقف سلوك الانفراد الامريكي-الاسرائيلي في رسم ملامح ومستقبل قطاع غزة وفقاً لمقاساتهم. كما تقتضي المرحلة الوقوف الجاد امام المقاربة الامريكية القائمة على تعزيز متطلبات الامن الاسرائيلي كمسار وحيد للاستقرار الاقليمي، دون توفير إطار سياسي شامل يفضي الى معالجة جذرية للصراع، ويفتح آفاقاً للسلام العادل والدائم الي يتحدث عن الرئيس ترامب في كل المناسبات.